رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعتذار هولندى قد يكون مقبولًا

السقطة التى ارتكبتها الخارجية الهولندية، فى نوفمبر الماضى، اعتذر عنها، ضمنيًا، فوبكه هوكسترا، وزير الخارجية الجديد، بأن أجرى اتصالًا تليفونيًا بوزير خارجيتنا سامح شكرى، أمس الأربعاء، تباحثا خلاله بشأن كيفية تطوير العلاقات المصرية الهولندية، بما يعكس مصلحة البلدين وفى إطار الاحترام المتبادل.

بعد تسعة أشهر من الانتخابات التشريعية الهولندية، وبعد مفاوضات، كانت هى الأطول فى تاريخ المملكة، من أجل تشكيل ائتلاف حكومى، تمكن مارك روتا، رئيس حزب «الشعب من أجل الحرية والديمقراطية»، من تشكيل حكومته الرابعة، التى أدت، فى ١٠ يناير الماضى، اليمين الدستورية أمام ملك البلاد، وفيها صار هوكسترا، رئيس حزب «النداء الديمقراطى المسيحى»، الذى حل ثالثًا فى انتخابات منتصف مارس الماضى، نائبًا لرئيس الوزراء، وزيرًا للخارجية، بعد أن كان وزيرًا للمالية فى الحكومة السابقة.

بين مصر وهولندا علاقات وطيدة اتسمت بالتفاهم والحرص على تنمية وتطوير التعاون المشترك فى كل المجالات. وكثيرًا ما أعلن المسئولون الهولنديون عن تقديرهم دور مصر المحورى والريادى فى محيطيها العربى والإفريقى. ومع ذلك، ارتكبت الخارجية الهولندية سقطة، أو حماقة، وأصدرت تقريرًا مسمومًا فى نوفمبر الماضى، لم يتضمن غير أكاذيب قديمة، ومكررة، من تلك التى تروج لها منظمات، تحت مستوى الشبهات، والآلة الدعائية التابعة لجماعة الإخوان، والدول التى تستعملها، من عينة أن نظام الحكم فى مصر جاء بـ«انقلاب عسكرى»، وليس بانتخابات ديمقراطية، مع أن فيليم ألكساندر، ملك هولندا، أرسل فى ١٩ يونيو ٢٠١٤، برقية تهنئة للرئيس عبدالفتاح السيسى بمناسبة انتخابه رئيسًا لمصر.

كان هان ماورتس سخابفلد، السفير الهولندى بالقاهرة، قد حاول تبرير تلك السقطة، أو الحماقة، بأن مثل هذه التقارير تستخدمها الدوائر القضائية المختلفة ووزارة العدل لكى تقرر هل بإمكان هذا اللاجئ أو المهاجر العودة إلى بلده أم لا، وقال إنه «مقتنع تمامًا بأن هذا التقرير لن يؤثر على العلاقة الثنائية الوطيدة بين مصر وهولندا مطلقًا»، وأنه «ليس مطلوبًا من الحكومة المصرية أن تقبل أو توافق على كل ما جاء به».

الغريب، أن ذلك التقرير المسموم جاء بعد أيام قليلة من لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الوزراء الهولندى مارك روتا، فى مدينة جلاسكو الأسكتلندية، على هامش قمة الأمم المتحدة للمناخ. وهو اللقاء الذى جرى خلاله بحث سبل دفع العلاقات بين البلدين فى كل المجالات، خاصة على مستوى التبادل التجارى والسياحة وإدارة الموانئ، وتعزيز التعاون القائم بين قناة السويس وميناء روتردام، إلى جانب مناقشة سبل تعزيز التعاون الثلاثى بين مصر وهولندا فى إفريقيا، فى ضوء اهتمام الجانبين بدعم التنمية فى القارة السمراء، كما تناول اللقاء آخر مستجدات عدد من القضايا الإقليمية، وأكد رئيس وزراء هولندا حرص بلاده على تعزيز التعاون مع مصر لصون السلم والأمن الإقليميين فى إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.

هولندا دولة صغيرة، فى غرب أوروبا، تزيد مساحتها قليلًا على ٤٠ ألف كم٢، وكانت جزءًا من الإمبراطورية الإسبانية، لكن بسقوط غرناطة، نهاية القرن الخامس عشر، تغيّرت موازين القوى، وأتاح لها موقعها الجغرافى أن تلعب دورًا مهمًا فى الملاحة البحرية، وأن تتحول إلى إمبراطورية استعمارية، نافست بريطانيا وفرنسا، وفرضت سيطرتها على مساحات شاسعة فى آسيا وإفريقيا، ظلت تنهب ثروتها وتستعبد سكانها، لأكثر من ٢٥٠ سنة. وبكل أسف، لا يزال هذا الإرث الاستعمارى يلقى بظلاله على الحاضر. 

إنها «دولة غريبة»، كما وصفتها ميريام دى برويخن، أستاذة الأنثروبولوجى «علم الإنسان» بجامعة ليدن، التى ترى أنه «من المستحيل أن تنظر إلى هولندا كدولة ديمقراطية»، موضحة أن إرثها الاستعمارى ظاهر للعيان فى شوارعها بشكل مستمر، وأنها ما زالت «أمة بيضاء» لا تعرف المساواة وتتغلغل فيها العنصرية.

.. وأخيرًا، نرى أن اعتذار «هوكسترا» الضمنى، قد يكون مقبولًا، لو قامت الحكومة الهولندية الجديدة بإقرار سياسات تضمن حماية الأقليات، العرقية والدينية، من عمليات التمييز الواسعة التى يتعرضون لها، واعتماد إجراءات أكثر حزمًا للقضاء على كل مظاهر العنصرية والتعصب، والتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان، داخل هولندا، أو التى ترتكبها الشركات الهولندية عند ممارسة أعمالها فى دول أخرى.