رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مبدعات خلف الكواليس: السينما بعيون المرأة (سلسلة حوارات)

محررة الدستور مع
محررة الدستور مع الفنانة نوال

أمام عدسات الكاميرا تنجذب الأضواء لـ«النجوم» تُسجّل كل حركة وصوت وحتى الصمت والهمس لا تتركه، وتتصدر صور هؤلاء النجوم وأسماؤهم الملصقات على واجهات دور السينما والطرق والجسور.

يعرف الناس الممثلين والممثلات ويشيرون إليهم بالبنان، لكن نجوماً آخرين أسرتهم الكاميرا فقرروا احتضانها والوقوف خلفها لصناعة مجد مختلف يرسمونه بأيديهم وعيونهم وأفكارهم.

في مجال السينما والموسيقى والمسرح لم تتأخر المرأة المصرية في مزاحمة الرجل بل والتفوق وترك بصمة فريدة في كل عمل تطاله أياديهن، فبزغت نجوميتهن في مجالات فنية عدة.

في هذه السلسلة، نسلط الضوء على الإسهامات الكبيرة والنجاحات التي حققتها المرأة في هذا المجال، والتحديات التي واجهتها في الحياة –كأمرأة- بشكل عام، وفي السينما بشكل خاص لتكون هي، من هي في النهاية؟ إنها مؤلفة موسيقى الأفلام، كاتبة، ناقدة، مونتيرة، ومصممة تترات.

الحوار الأول

  • «نوال» أكبر مصممة تترات في تاريخ السينما: «اقترحت كتابة أسماء السيدات أولًا»

في خلفية قاتمة، َظًهر البطل بصحبة آخرين من أبناء جنسه يقومون بأعمال منزلية شاقة، ولا شيء يزين هذه اللوحة إلا إطار مرآة باللون الأبيض يضم داخله الفتيات الحسناوات، اللاتي شاركن في هذه البطولة، ربما لم يكن ليخرج إلينا هذا تتر فيلم «سيداتي آنساتي» بهذه التفاصيل، التي تضم في طياتها انتصارًا للمرأة، لو لم تكن مصممته هي الفنانة الكبيرة نوال.

على مدار 3 عقود متتالية حصلت خلالهم نـوال، الفنانة ومصممة التترات، على نصيب الأسد من جميع الأعمال المقدمة في الفترة بين السبعينيات حتى أواخر القرن العشرين، ويمكن القول إن هذا لم يكن انتصارًا لنوال وحدها، وإنما كان اعترافًا ضمنيًا بنجاح المرأة في هذا المجال وفي الحياة بشكل عام.

إنها الابنة الثانية لأبناء أبيها الستة، والفتاة الوحيدة بينهم، ربما كان قدرها منذ اللحظات الأولى لها أن تكون فريدة، فهي أولَا فتاة بين خمسة أخوة، ثم موظفة في قسم الجرافيك بين ثلاث رجال، وأخيرًا السيدة الوحيدة التي اقتحمت عالم التترات واستطاعت أن تترك اسمًا وبصمة حقيقية قبل أن تسطو التكنولوجيا على هذا الفن الراقي.

«الدستور» التقت الفنانة الكبيرة نوال، في منزلها الهادئ الذي يعبر بالضرورة عن شخصيتها الراقية، المحبة للفن والحياة، وكان لنا معها الحوار التالي:

نوال برفقة أعمالها وجوائزها

بداية.. ما الذي يدفع الإنسان إلى الاعتزال بعد هذه السلسلة من النجاحات؟

جاء قراري بالاعتزال منذ سنوات طويلة، وبعد سنوات طويلة أيضًا من العمل الشاق، فكل الأعمال التي قمت بتصميم التترات الخاصة بها، كانت جزءًا من روحي، تأخذ من وقتي ومن أعصابي الكثير، ومع التقدم في العمر، أصبحت في حاجة إلى الراحة أكثر، ومن ثم كان قراري بالاعتزال مطلع القرن الجاري، الخيار الوحيد.

 

هل ندمتي على قرار الاعتزال؟

في الفيلا الخاصة بأسرتي بمنطقة المهندسين، كان لدي مكتب كبير، وغرفة خاصة بتجاربي التي أجريها قبل الشروع في تنفيذ التترات، وبعد قرار الاعتزال، كنت أتجنب المرور إلى جوار هذه الغرفة بالتحديد، فأشعر بالحنين وأعود للعمل مرة أخرى، وظل هذا الحنين يراودني حتى تم بيع فيلاتنا واستقريت بالولايات المتحدة الأمريكية.

ماذا عن مرحلة الإعلانات؟

إنها المرحلة التي تشاركت فيها مع زوجي الراحل محمد حسيب، وكونا معًا شركة تحمل اسم، حسيب ونوال، وقدمنا خلالها عدد من الأعمال الخالدة في ذهن هذا الجيل، بل أن المخرجين تأثروا بالرسوم المتحركة التي كنا نستخدمها في الإعلانات، وكان يطلب البعض تصميم التترات بالطريقة ذاتها تيمنًا بالنجاح الباهر الذي حققته الإعلانات وقتها.

«الناس كانت بتغي إعلانات سافو ورابسو في الأفراح».. هكذا دللت نوال على النجاح الكبير الذي حقتته الأغنيات الخاصة بالإعلانات وقتها، وتذكرنا معًا مزيكا إعلان "سافو" الذي استوحت شخصية الطفل فيه من ابنها، وهي تردد سلام عشانو سافو حافظ كيانو سافو».

 

 

متى كان قرارك بالعمل في مجال التترات؟

هناك عدد من التجارب التي خضتها قبل أن استقر على العمل في مجال التترات، فبداية من هندسة الديكور، مرورًا بالأزياء، والإعلانات وحتى تصميم تترات الأفلام.

«ده مش أجرك إنتِ تستاهلي أكتر من كدا».. كانت هذه هي الجملة المدونة على ظرف يضم بداخله مبلغ ألف جنيه، أرسلها المخرج الكبير يوسف شاهين إلى نوال، بعد إنجازها تتر فيلم "الاختيار"، ويعتبر أول أفلامها والعلامة الأولى التي أشارت إليها بضرورة التفرغ إلى هذا الفن العظيم، ذلك بعد أن عكفت ثلاثة أيام على تصميم التتر ولا تعرف إن كان سينال إعجال المخرج الكبير أم لا، ففاجئها بإعجابه الشديد، وقبل يدها تقديرًا منه.

محمد خان، عاطف الطيب، نادر جلال، وصلاح أبوسيف، ماذا عن علاقتك بهؤلاء المخرجين الكبار؟

لم أكن أجد حرجًا في التعامل معهم جميعًا، كنت اعتقد أننا أخوه لأنني كنت قريبة في السن من معظمهم، ولذلك نشأت بيننا علاقة صداقة تجاوزت فكرة العمل فقط.

كيف تمكنتي من التعامل معهم على اختلاف شخصياتهم وأفكارهم السينمائية؟

تمكنت من تنفيذ جميع الأفكار التي تدور برؤوسهم جميعًا بداية من خان، المحب للتترات البسيطة، مصحوبة بكلمات بخط رفيع، واضح، ومقروء، على خلفية الأفلام التي شاهدها في لندن، أثناء فترة إقامته هناك.

أما عاطف الطيب، فكان يميل إلى المدرسة الكلاسيكية الواقعية، فهو في ذلك تعتبر خليفة للمخرج الكبير، عز الدين ذوالفقار، وبالطبع أخدت التترات الخاصة به الطابع نفسه.

ونادر جلال، آثر أن يترك لي حرية الاختيار في تنفيذ التترات الخاصة بأفلامه، لأنه يثق في اختياراتي.

وكذلك المخرج الكبير صلاح أبوسيف، الذي كان يفضل أن نتناقش سويًا حتى نقدم معًا عملًا ناجحًا نتوافق فيه على الرأي.

ومن ضمن المخرجين الذي تعاملت معهم، حسين كمال، كان مخرجًا رقيقًا للغاية، ولديه فيلم يحمل اسم "نور العيون" عن قصة طفلة تم قتلها، وكان يريد أن نأخذ نقطة من الدم ونضع عليها التتر، ولكني استشعرت أن هذا الأمر سوف يكون قاسي على المجهور، واقترحت تغير الفكرة، وأعجب كثيرًا بما قدمته له في النهاية.

الفنانة نوال مع محررة الدستور

تحدثنا عن المخرجين الرجال، فماذا عن المخرجات من السيدات؟

عملت مع المخرجة إيناس الدغيدي، وقدمت معها معظم أعمالها، وهي رقيقة للغاية، وتربطنا معًا صداقة، وكانت تترك لي هي الأخرى حرية الاختيار في تترات الأعمال الخاصة بها.

ساندرا نشأت، في منزلة ابنتي بالضبط، فقد تشاركا معًا الدراسة في المدرسة ذاتها، وقدمًا معًا أعمال أيضًا.

كاملة أبو ذكري.. هي من جيل الشباب الذين أشرفت على عدد من أعمالها، فهي ضمن المجموعة الكبيرة من مخرجين اليوم، أمثال مروان حامد، وتامر محسن.

هل كنتِ تجدين حرج في المشاركة بأعمال إيناس الدغيدي؟

لا.. بالعكس، كنت أحب نوعية القضايا التي تقدمها، إنها تخترق جميع المسكوت عنه، والذي لا يجب أن نسكت عنه، فالشذوذ والعلاقات المحرمة، أصبحت موجودة إلى جوارنا بكثرة، ونسمع عنها كل يوم، ولذلك كان لزامًا على السينما أن تقدم مثل هذه الأعمال، بهدف تحذير وتوعية الشباب، وإن كان هناك عدد من الأعمال رغم صدقها وقناعتي بها، لا أفضل أن يراها أبنائي وأحفادي.

 

أي تترات الأفلام الأقرب إلى قلبك؟

سواق الهانم.. فقد قمت بمشاهدة الفيلم قبل الشروع في إنتاج التتر، وهو فيلم "لذيذ"، الأمر الذي دفعني إلى نسج جميع مشاهد التتر على شكل دانيل فستان "الهانم".

هل الخلافات التي نسمع عنها دائمًا حول مكان الاسم على التتر صحيحة؟

صحيحة جدًا.. وغالبًا ما تكون هناك قرارات بأسماء معينه، ثم تتغير، وتتغير، ونقوم بحل هذه الأزمة في النهاية عن طريق دمج الأسماء في ظهور واحد، ولم يكن هذا الأسلوب متبع في أي من دول العالم، ولكن "عشان نفض الخناقة.

وأذكر أن هناك فنان كبير، قام ببطولة فيلم من انتاجه، ودارت الخناقة حول مكان اسمه، هو الأول أم البطلة التي أمامه، ولم يرغب في التنازل فهو البطل والمنتج، ولكني مازحته أن يترك لها الصدارة، فالسيدات يجب أن يكونوا دائمًا أولًا.. ووافق.

 

ماذا عن المنافسين في هذا المجال؟

كان يمكن عدهم على أصابع اليد الواحد، كانوا ثلاثة من الرجال، ولا سيدة غيري، غير أن الشيء الذي كان يميزني عنهم أنني كنت أعمل بروح الهاوي المحب لعمله، أما جميعهم فاعتقد أن الأمر بالنسبة لهم، لم يتجاوز فكرة الوظيفة لجني المال.

 

هل قمتي بتقديم تتر وخجلتي منه بعد ذلك؟

لا.. لأنني من البداية لا أوافق على الأعمال التي من الممكن أن تخدش الحياء، حتى أن هناك عمل عاتبني أولادي على تقديمه، كان فيلم يحمل مشاهد خارجة، غير أني بررت لهم لذلك بأن علاقتي بالعمل تنتهي عند التتر ولا شأن لي بما يحدث بالداخل.

 

يمكن أن تخبرينا بعمل قمتي برفضه لاحتوائه على مشاهد خارجة؟

فيلم ثقافي.. عندما عرض المخرج أن أقوم بتصميم التترات، قال لي أنه سوف يرسل مشاهد خارجة، وأقوم أنا بالتظليل عليها وكتابة التتر، ولكني رفضت ذلك بشدة، فمعنى أنني ظللت، أنني شاهدت وهو ما لا أقبله.

واقترحت أن أقوم أنا باختيار فكرة التتر، وكان عبارة عن إبراز لملامح الست من غير خدش للحياء، ووافق المخرج على التتر في النهاية، بل وحصل العمل على جائزة أفضل تتر من مهرجان السينما وهو الأمر الذي لم أكن أتوقعه على الإطلاق.

وأخيرًا.. ربما يعتقد البعض أن اختيارك كتابة اسمك منفردًا يحمل خلفه ذكريات سيئة، فهل هذا صحيح؟

بعد هذا السؤال، تحولت الابتسامة التي ظلت تظهرها طوال الجلسة إلى دموع تسستقر على حافة جفنيها، تحاول أن تمنعها من السقوط، وتقول:

«بحب بابا جدًا.. هو اللي شجعني، ومن غيره أنا مكنتش عملت حاجة»، توفي والد الفنانة نوال، وهي على أبواب العشرينات، وحققت كل نجاح هو بعيدًا عنها، كانت تذكره مع كل نجاح وكل جائزة، وتتمنى لو أنه كان معها، يشهد تحقيق نبوءته.

  • لقراءة مجموعة الحوارات المنضوية ضمن السلسلة، اضغط على الروابط التالية:

ماجدة خيرالله: السينما تأثرت بالمرأة في جميع مراحلها.. ومنة شلبي الأجرأ بين نجمات جيلها (حوار)
الفتيات يستطعن.. ليال وطفة: اقتحام عالم تأليف الموسيقى لم يكن سهلًا (حوار)
هبة عثمان: حبي للسينما دفعني لدراسة المونتاج والتعرف على تفاصيله (حوار)