رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صوت الجماهير


بعد أيام قليلة من اندلاع حرب يونيو 67، خرج عبد الناصر على الناس بخطاب يقول فيه إن الجيش المصرى تعرض لهزيمة ساحقة أمام نظيره الإسرائيلى، واضطر للانسحاب إلى الضفة الغربية لقناة السويس وترك سيناء بأكملها غنيمة للصهاينة، وأعلن عبد الناصر مسئوليته عن الهزيمة أو النكسة، وأعلن أيضا التنحى عن حكم البلاد والعودة لصفوف الجماهير كمواطن مصرى يشارك بأى دور فى إزالة آثار العدوان.

كما أعلن استعداده لأى نوع من الحساب وفق ما يراه الشعب، بعد دقائق من إذاعة هذا الخطاب تدفق المصريون بالملايين من كل المحافظات وتجمعوا فى القاهرة دون دعوة من أحد ودون وصاية من أحد يطالبون عبد الناصر بالبقاء فى منصبه والاستمرار فى قيادة الجيش والشعب إلى أن تفيق البلاد من تلك الكبوة العارضة، كان جيلنا فى ذلك الحين يتراوح عمره بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة، ورغم هذا خرج معظمنا مع جحافل المواطنين الذاهبين إلى القاهرة، لا توجد نظريات مسبقة كان بوسعها أن ترصد رد فعل الشعب المصرى بعد خطاب عبد الناصر عقب نكسة يونيو، ولا توجد نظريات مسبقة رصدت حركة المصريين يوم وفاة عبد الناصر، ولا توجد نظريات سياسية أو اجتماعية تناولت ما فعله المصريون يوم تشييع جنازة عبد الحليم حافظ أو تنبأت به، وفى السادس من أكتوبر 73 وطوال الأيام الأولى من حرب التحرير لم يكن ثمة من تنبأ بردود أفعال المصريين الذين تنازلوا من تلقاء أنفسهم عن الاحتفال المعتاد بعيد الفطر، وتنازل لصوصهم ومجرموهم عن ارتكاب الجرائم طوال المراحل الأولى من حرب أكتوبر، وتخلت كل النخب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار عن خلافاتها واختلافها مع السادات وتوحدت خلف الجيش والرئيس.

هذا الحراك الشعبى نفسه شهدناه وشارك معظمنا فيه يوم خرج قطاع ضخم من المصريين فى يناير 77 يعترضون على قرارات رفع الأسعار ويهاجمون الأداء الرأسمالى العشوائى لنظام وحكومة السادات، ثم تكررت الأحداث نفسها بصورة غير مسبوقة فى ثورة يناير رغم كل الشبهات التى صارت تكتنف الآن هذه الثورة، حيث لا ذنب للمخلصين والشرفاء الذين شاركوا فيها احتجاجا على التزوير والتلفيق والفساد وكل المساوئ الأخرى التى عاناها المصريون فى عهد مبارك، ثم كان خروج ملايين المصريين فى 30 يونيو تصحيحا للمسار واعتراضا على الحكم الطائفى لعصابة الإخوان وذيولها من الإرهابيين والخونة، ثم ما شهدناه مؤخرا فى استفتاء الدستور.

لا أحد من السادة المفكرين والمنظرين وأساتذة السياسة يمكنه القراءة الدقيقة لنوايا الشعب أو قدراته أو توجهاته، ويستحيل إخضاع شعب كامل لرؤى وحسابات و نظريات الخبراء الاستراتيجيين وفرقة بلال فضل وحمزاوى والبرادعى وغيرهم مع كل الاحترام لكل هؤلاء، السياسة هى فن الممكن، والممكن هو ما يتسق مع مقاس هذا الشعب وليس ما يخرج من عقول إخواننا المفكرين وتركيبة كل منهم.

■ كاتب