رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخليفة والمشير


حين آلت الخلافة الإسلامية فى عصر الدولة الأموية لعمر بن عبد العزيز كان هذا الرجل - وفق وصف كتب التاريخ - شخصا يعشق الحياة ويرتدى الثياب الفاخرة ويعيش فى دوائر الأمراء والأثرياء، وما إن صار أميرا للمؤمنين حتى تحول على الفور من النقيض إلى النقيض، تنازل عمر بن عبد العزيز عن عشق رغد الحياة، واتجه للزهد والتعفف، ثم أصدر أوامره بمصادرة ثروات بنى أمية ووضعها فى بيت المال، ثم مضى بعد ذلك يطبق العدالة المطلقة على الكبار قبل الصغار.

ولأنه بدأ بنفسه وأسرته وحاشيته، تمكن عمر بن عبد العزيز من القضاء على الفقر والظلم فى أسابيع قليلة، وتقول كتب التاريخ إنه مع نهاية العشرين شهراً التى استغرقها عهد هذا الرجل كان بيت المال فى العاصمة الأموية والفروع الأخرى خاليا تماما من الزبائن! لم يعد هناك فقراء أو معدمون يطلبون العون من الدولة، ولم يعد هناك مظاليم يطلبون العدل من الخليفة، ولم يعد هناك منافقون يمتدحون الزعيم مقابل أكياس الذهب والفضة والدنانير!

بعيدا عن الدوشة والدروشة والنظريات والكلام الكبير، يستطيع الرئيس المصرى القادم أن يكون نسخة عصرية من العمرين العظيمين، عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، لو احتذى حذو كل منهما فى إقامة العدل المطلق على كل خلق الله، ولو بدأ بالكبير قبل الصغير، ولو كان هو نفسه وأسرته وأصدقاؤه وأحباؤه ورفاق عمره الهدف الأول للعدالة المطلقة. يستطيع الرئيس القادم أن يصنع من هذا البلد واحة للعدالة والرفاهية والرخاء - أو حتى الستر - لو تمكن من القضاء على الهوة السحيقة التى تفصل بين الثراء التعسفى والفقر الإجبارى، ولو تمكن من إخضاع الكبير قبل الصغير لقوانين واضحة صارمة لا تحتمل التأويل ولا تنظر فى أسماء أو وظائف أو طبقات أو سلطات الخاضعين لها.

سوف ينجح الرئيس القادم لو بدأ عهده بمحاكمة كل الفاسدين من أنصاره وأصدقائه وأقاربه وقيادات حملاته الانتخابية دون أن يخشى فى أحدهم لومة لائم، سوف ينجح الرئيس القادم لو أجبر كل قطاعات الدولة على الالتزام بالحد الأقصى للأجور دون أى استثناءات من أى نوع.

سوف ينجح الرئيس القادم لو ألغى فورا كل الامتيازات غير المنطقية التى تتمتع بها فئات من الشعب دون كل الآخرين، سوف ينجح الرئيس القادم حين يتمكن رجل الشرطة من تحرير مخالفة مرور لقاض أو مستشار أو ضابط أمن دولة أو ضابط مخابرات أو سفير أو أى كائن سيادى آخر، ودون أن تلغى هذه المخالفة عند التنفيذ.

سوف ينجح الرئيس القادم لو تخلى عن كل مظاهر الترف الرئاسى هو وأسرته وتخلى عن المواكب والاستراحات والقصور والأوسمة والنياشين، وتعفف عن أى أموال أو بدلات أو امتيازات خارج الراتب الرسمى المقرر.

سوف ينجح الرئيس القادم لو تمكن من حرق وإبادة كل ريشة على رأس أى شخص فى هذا البلد، وأولها الريشة التى على رأس الرئيس!

■ كاتب