رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

افتراق عينيه عن عينيها قتل وذبح لهما

عماد مجاهد
عماد مجاهد

هذا الولد الذى أحبه كثيرًا، هو من عشقته قلوب الحسان، لم يلتفت لهن، كان مشغولًا بأمور أخرى، خطفته بنت لا ندرى هى من أى المواويل؟ وأى وردة من فل مررتها إلى روحه، كأنها خيط من ماء ربط نبضى البنت والولد، فعجزا تمامًا عن الفراق، وكأن افتراق عينه عن عينيها قتل وذبح لهما.. كان لا بد من عش صغير يجمع العصفورين، ويؤلف بينهما.. فيا سماء القبلية، ويا سماء العيون، ظللى عليهما بألفة، يصنعها صوت بلبل وجدول الماء ويغزلها القطن العابرون، إلى أين.. يا سماء العيون.

كان يفتش عمن تشق بحر الذاهبين والغادين، فى السفر والترحال عن عيونها كمواويل تروى عطش الجالسين، على جسور ترع الحنين بين حكايات وأكواب الشاى، ويقلب وجوه الناس كورق الكتب، ويظل يقرأ السطور، يا رب ويا سماء.. ولا يصل.

ضالته كانت تظهر له تحت سحب السماء، وظل قلبه معلقًا بها تبرق وتختفى، فيأخذ زهرة من وجهها يطابقها على كل البنات، ويقدسها ويعطرها كى تتألق بنضارة، ويرتدى وجهًا حجريًا قاسيًا، ويطلق تكشيرة عنيفة تضايقنى.

عندما أسأله ألم يهتز جدول الماء الذى فى قلبك بعد؟ ينفى، ويضع ما يأخذه من وجهها فى صندوق مزخرف بأخشاب ثمينة، جلبها من بلاد السند وفينيقيا، وحينما طاف وجهها به فجأة، فى قاعة للدرس ترسل له نظرات، يعود فى عربات الأجرة، حاملًا صدره كل شىء، تفاصيل المكان، القاعة الواسعة للمحاضرات، وجوه الجميع.

يا حمام الطريق، ينبسط العالم أمامه، ككف يد صغيرة مليئة بالجواهر والعطور، ويتشقق لحاء الأشجار الغليظ القوى على مدى طول الطريق وردة رقيقة، بمذاق الرحلة البادئة من المنصورة ونهايتها القاهرة، ولأنه كتوم كمحارة تخبئ اللؤلؤ وأشياء كثيرة، خبأ عنى الصندوق الذى يجمع فيه الورود الخارجة من لحاء الأشجار، خبأ أمر بوكيه الورد والهدايا التى تساقطت من عينىّ تلك الفتاة «التى غافلته والتقطت قلبه» كقطرات، إلا أن الهدايا التى أخذت تنبت فى أركان شقته، وتصعد فى كل مكان، أخبرتنى بكل شىء، دون أن أعرف التفاصيل والمواعيد، وما يقال من كلمات. 

لم أكن أرهق نفسى فى التخيل، لا أدرى لا أصدق، هل ما أتنبأ به صحيح؟، وهل جدول الماء الذى فى...، كيف حدث الزفاف البهيج حاملًا بهجة مع فتاة، ستقتسم دائمًا معه الطريق إلى السماء، إلى نهر إلى... ، إلى مدينة رائعة، حيث ينتظرها عش صغير سيقبعان فيه، وتطل عليهما صباحات ومساءات، وأنا أطمئن عليه بظهور اسمى على شاشة جواله، مسبوقًا بالرنين.