رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهوية المصرية من المنظور الشعبى


يثور الجدل حول الهوية المصرية، «والهوية بضم الهاء وليس بفتحها، فكلمة الهوية جاءت من فعل هو»، ويصر البعض فى جدل بيزنطى على وضع بعض مواد فى الدستور يثبت الهوية الإسلامية، رغم أن الكل من مسلمين.

إن الهوية عبارة عن شعب وجغرافيا وتاريخ، ومن خلالها تظهر الهوية عبر مئات السنين حتى تستقر، لا يشذ شعب عن هذا الأمر، ومصر الدولة التاريخية، حدد شعبها هويتها عبر جغرافيا وادى النيل وتاريخ الحضارات التى استقرت على أرضها والديانات التى اعتنقها شعبها.

مصر عرفت التوحيد وعرفت الرسالات السماوية، وليس من قبيل الصدف أن يكون إله الفيضان المصرى نوء، وهو تصحيف لاسم نبى الله نوح، وأول البشر هو آتوم، وهو تصحيف آخر لآدم عليه السلام، ويقول جيمس هنرى بريستيد فى كتابه «فجر الضمير» إن المصريين بنوا الأهرامات قبل فجر الضمير أو مراحل الوثنية الأولى، وعندما عرفوا التوحيد وآمنوا بأن الإنسان بعد الموت لا يحتاج لهرم، كف المصريون عن بناء أهرامات جديدة، وسارت مسيرة التوحيد فى طريقها، تخللته مراحل وثنية، ولكن بقيت معرفة التوحيد راسخة عندهم، وعاش نبى الله إدريس فى أرضها، وكذلك نبى الله أيوب، وولد فيها موسى وجاء إليها إبراهيم وهربت إليها العائلة المقدسة هربا من بطش الرومان، وتزوج منهم رسول الله.

كل ذلك رسخ فى المصريين العقيدة الإيمانية، وإلى جانبها عرف المصرى القديم التعدد والتنوع، ويرى الدكتور جمال حمدان أن دول الأنهار عرفت الخالق، وبنت الحضارة وعرفت الطغيان فى وقت واحد، فعندما احتاج الفلاح إلى الماء وعلم أن الحاكم يتحكم فيه، ظهر الطغيان، ولكن الفرعون لم يكن فى كل الأحيان جاهلا أو شريرا، بل كان يعرف أرضه وشعبه، وكيف يبنى حضارة، بآدابها وثقافتها والتحكم فى فيضان النيل، فاستقر المصرى بالوادى، لم يهاجر منها، ويأتيها الغرباء هاربين من المجاعات، أو غزاة ما أن يستقروا فيها حتى يذوبوا فى أرضها.

المصريون عرفوا التعدد والتسامح، وكانوا خير عون للأديان التى اعتنقوها، فحموا المسيحية الصحيحة أو الأرثوذكسية، تماما مثلما حموا الإسلام بعد أن صار دين الأغلبية، وخلال المسيرة قام المصريون بصياغة أدب شعبى دينى متميز، حددوا به هويتهم المصرية، مثلا اعترف الإسلام بتعدد الزوجات، فقال المصريون «جوز الاثنين يا قادر يا فاجر»، أى أن من يتزوج امرأتين إما رجل قادر على الإنفاق، أو فاجر لا يخجل من الناس، وهذا المثل يرتبط بالإسلام ارتباطا وثيقا، فالإسلام جعل العدل والقدرة على الإنفاق من شروط التعدد، ومثل آخر «ادينى عمر وارمينى فى البحر»، وهو إيمان بالقضاء والقدر، وغيرها من الأمثال المصرية التى تعبر عن إيمان فطرى ثقافى شعبى، فلا حاجة لمواد هوية، فالأصل عند المصرى هو الدين.

■ كاتب