رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التهنئة بأعياد الميلاد


لو جاءت هذه الفتوى المثيرة والشاذة، فى ظنى ممن يمثلون الإسلام أو من هيئة دينية تتحدث باسم الشريعة لناقشناهم فيها نقاشاً مطولا حتى تتضح الرؤية إن اتضحت وشرح الله لهم الصدور، أما أن تأتى من بعض أعضاء حزب سياسى، يريد أن يحكم مصر فى المستقبل فهذا أمر مرفوض تماماً

قرأت فى بعض الصحف أن التهنئة التى تقدم بها نادر بكار – المتحدث باسم حزب النور – للمسيحيين بعيد الميلاد أثارت أزمة داخل حزب النور، وأن بعض قيادات الحزب رفضوا تلك التهنئة. كل ما ذكره نادر بكار على تويتر هو «دعاء لله تعالى أن يجعل العام الجديد عام خير لكل المصريين وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وفتنة». أوضح بعضهم فى حزب النور، كما جاء بجريدة الوطن يوم الجمعة 2 يناير 2014، أن موقف حزب النور واحد بأنه لا يجوز تهنئة الأقباط بأعيادهم الدينية لأن ذلك مخالف للشريعة».

هذا موقف، والموقف الآخر، تهنئة الأمام الأكبر شيخ الأزهر شخصياً وسماحة المفتى للبابا تواضروس والكنيسة بأعياد الميلاد، ولا يرون فى ذلك مخالفة للشريعة.

لفت نظرى هذان الموقفان المتباينان. هناك فجوة كبيرة فرجعت إلى السيرة، ورأيت موقف النبى محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقف لجنازة يهودى، ويقول لأصحابه أليست نفساً. ألم يقرأ أولئك النفر فى القرآن الكريم «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا “ أم أنهم لم يقرأوا “ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» كيف يكون البر والقسط؟ أليست هذه التهنئة هى من أبسط صور البر والقسط؟ رحم الله تعالى ابن قدامة المقدسى، وهو يفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن الجيران ثلاثة ومنهم الجار غير المسلم.

يقول ابن قدامة، أن من حق الجار أن تمنع أذاك عنه، وأن تعفو عن الأذى منه، وأن تهنئته فى الفرح وتعزيه فى المصيبة، وألا تضع الخشب أمام داره، وألا تصب الماء فى ميزابه، وأن ترعى حاجات أهله إذا غاب حتى يعود «. هذا هو جزء فقط مما قاله ابن قدامه فى حق الجار، ومنه الجار غير المسلم.

لو جاءت هذه الفتوى المثيرة والشاذة، فى ظنى ممن يمثلون الإسلام أو من هيئة دينية تتحدث باسم الشريعة لناقشناهم فيها نقاشاً مطولا حتى تتضح الرؤية إن اتضحت وشرح الله لهم الصدور، أما أن تأتى من بعض أعضاء حزب سياسى، يريد أن يحكم مصر فى المستقبل فهذا أمر مرفوض تماماً. ماذا يفعل هؤلاء بمصر إن جاءوا إلى الحكم وبعضهم يربط حتى تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد بالعقيدة؟

ماذا يفعل اليوم حزب النور فى ضوء المادة الدستورية التى تحظر قيام الأحزاب على أساس يفرق بين المواطنين، ومن ذلك الأساس الدينى؟

وكيف بهم وهم ينادون اليوم وسيشاركون فى حملات نعم للدستور، وهو جهد مشكور يقدره المصريون لهم، وبعضهم يفتى هذه الفتاوى التى أراها شاذة فى نظرى؟ ليتهم لم يصفوا هذه الفتوى بأنها الشريعة، وليتهم يكفون فى الحزب السياسى عن الافتاء الدينى. تهنئة خالصة لكل المسيحيين بأعياد الميلاد، وأسال الله تعالى العلى القدير، أن يجعل هذا العام الجديد عامًا للاستقرار والأمن والسلام والعدالة الناجزة وعودة إلى صحيح الدين وتحية لنادر بكار.

والله الموفق