رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: دور جديد للاعبينا القُدَامَى

عبدالرحيم طايع
عبدالرحيم طايع



اعتزل لاعبو كرة القدم الذين كانوا ملء السمع والبصر فى أجيالهم القديمة عندنا، واتجه قليل منهم إلى العمل الإدارى وكثير إلى التدريب، لكنهم جميعهم تقريبًا اشتغلوا بالتحليل الرياضى، وبرزوا فى الفضائيات الرياضية، فى أثناء المباريات المحلية والعالمية الجارية فى البطولات المنوعة، يُظهرون المزايا والعيوب، ويكشفون الخطط، ويقدمون النصائح، ويعقبون على الأحداث عمومًا، بما فيها حالة التحكيم وصورة الجماهير وطبيعة الملاعب، وما يتصورون حدوثه داخل غرف خلع الملابس، بين الشوطين، بل قبل بداية الشوط الثانى عادة ما يقدمون توقعاتهم النهائية للناس، بناءً على مشاهدتهم الدقيقة للأُول وخبرتهم الباذخة بما يمكن أن يتم فى حالة استمرار الأوضاع كما هى وفى حالة تغير محتمل يمكن أن يجريه هذا الفريق أو ذاك.
التحليل الرياضى عملية كغيرها من العمليات الشبيهة كالتحليل النفسى والمعملى الذى يرد الأشياء إلى عناصرها الأصلية.. والمحلل الرياضى شخص ضرورى بلا جدال، والشرط أن يكون جديرًا باللقب، بمعنى أن يكون من الذين دخلوا المجال عن استحقاق أهَّله له علمه الوافر باللعبة وقوانينها، وليس لمجرد أنه كان لاعبًا ماهرًا فى ماضيه، وهو ما يلاحظه المتابعون النبهاء فى استديوهات التحليل الرياضى التى صارت أكثر من الهم على القلب، يلاحظون أن كثيرين من هؤلاء ليسوا بأهل علم راسخ فى المجال الرياضى، لكنهم يعتمدون على ماضٍ شخصى عظيم، ومع كامل التقدير له، فإنه لا يكفى لجعل أصحابه قادرين على النفاذ إلى كل ما تحتويه المستطيلات الخضراء.
هذه المهنة ككل المهن فى بلادنا، تسلل إليها من ليسوا منها فى شىء، لذا ساءت الأحوال الرياضية بالبلاد، كما ساءت أحوال أخرى لنفس العلة، فليس معنى أن فلانًا كان لاعبًا أنه يملك مفاتيح اللعبة برمتها.
من الضرورى هنا أن أذكِّر بأن مسألة التحليل الرياضى تحتاج إلى لغة جيدة وأسلوب سلس أيضًا، يستطيع بهما المحلل أن يجعل المشاهد منجذبًا لما يقال، وفى قبضته لا خارجها ليستقيم تفاعلهما المراد، وتحتاج كذلك إلى موضوعية ومرونة من القائم بها، فبغير ذلك يكون المحلل الرياضى ناقصًا أو عاجزًا، والمعنيان ضده فى الصميم، والمعنيان حاصلان ومرصودان للأسف!
فى السنوات الأخيرة، وبسبب اتساع الإعلام الرياضى وتفوقه المادى وثرائه المعلوماتى وتطوره التقنى وظهور الإعلامى المحترف، عرفنا كثيرًا من المعلومات الرياضية التى لم نكن نعرفها من قبل، صرنا مثقفين فى الرياضة كما فى الأدب والسياسة.. ولم يعد غريبًا أن يستمع المستمع إلى مداخلة تليفونية لمتلقٍّ عادىٍّ فى برنامج من البرامج الرياضية الشهيرة المتعددة، فيبهره الرأى وتذهله الدراية!
لقد صار ابتلاع أخطاء المحللين أمرًا عسيرًا لثراء المتابعين أنفسهم، وصار قبول استعراضهم شيئًا مرفوضًا قطعيًا، لأن المشاهدين والمستمعين ليسوا جهلاء بالكرة، بل هم يمارسون اللعبة بمحبة كاملة كأبنائها الأوفياء، يمارسونها فعليًا فى الشوارع أو فى المدرجات والبيوت، بانفعالهم الحار معها، ورغبتهم الصادقة فى الفوز على الخصوم والحصول على الدروع أو الكئوس أو حتى البهجة القلبية المشتهاة.
سذاجة بعض المعدين والعاملين بهذه القنوات ممن جاءت بهم الواسطة لا الجدارة طبعًا، بالإضافة إلى المال الجم الذى تقدمه الفضائيات الرياضية «المتنافسة بضراوة» لكل من تقرر استضافتهم للتحليل الرياضى، من أسباب ركاكة بعض ما تقدمه فى نطاق هذا التحليل، فاجتماع السذاجة بالمال الكثير مع التنافس المجنون من دوافع التسرع والاستعجال التى تخلُّ بالقواعد الأساسية للاستضافة، وعلى رأسها أن يكون الضيف حاذقًا حقًا فيما يصول ويجول فى مضماره، وليس معتمدًا على أنه كان لاعبًا عملاقًا فحسب، لأن جودة التحليل تنفصل عن المهارة الشخصية القديمة مقدار ما تتصل بها.. تتصل لو كان اللاعب القديم أكبر من مجرد لاعب محض، بمعنى إحاطته باللعبة من جميع جوانبها، وتنفصل لو كان حظه من القصة قدراته الخاصة الخارقة فى حدود اللعب..
لاعبونا القدامى على رءوسنا، وأغلبهم متميزون فى تحليلهم للمباريات كما كانوا متميزين أيام كانت أقدامهم تركل الكرة وتستقبلها، وأغلبهم ذوو أخلاق رفيعة أيضًا، وليسوا من أهل التكالب على القيم المادية بعيدًا عن المعانى المعنوية النبيلة، غير أن الحقيقة تقتضى أن نقول إن هناك اختراقًا لهذه الدائرة المحكمة الممتازة، فقد صارت الساحة عرضة للأدعياء والغرباء، وتعكَّر ماؤها وتشوَّش صفاؤها.