رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ريجينى.. وعصابة الدبلوماسيين!



لا جديد فى مطالبة «الإنتربول» المصرى للحكومة الإيطالية بتسليم دبلوماسيين سابقين عاقبتهم محكمة جنايات القاهرة، غيابيًا، منتصف فبراير الماضى، بالسجن المشدّد لمدة ١٥ سنة فى «قضية تهريب الآثار الكبرى»: قضية تهريب نحو ٢٢ ألف قطعة آثار مصرية فى حاويات دبلوماسية، إلى إيطاليا، التى أدين فيها، أيضًا، شقيق يوسف بطرس غالى، وزير المالية الأسبق.
المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، المعروفة اختصارًا باسم «الإنتربول»، هى منظمة حكومية دولية تساعد أجهزة الشرطة فى الدول الـ١٩٤ الأعضاء على تبادل البيانات المتعلقة بالجرائم والمجرمين، وتقدم الدعمين الفنى والميدانى بمختلف أشكالهما، وتساعد فى تحديد مكان الهاربين من العدالة فى جميع أنحاء العالم، وتصدر نشرات بألوان مختلفة، تكون بمثابة طلبات تعاون أو تنبيهات دولية، مخصصة لاستخدام الشرطة فقط، ولا تتم إتاحتها لعامة الناس، إلا فى بعض الحالات. ولتلك المنظمة مكتب مركزى وطنى، فى كل بلد، يمثل نقطة الاتصال الأساسية مع الأمانة العامة والمكاتب المركزية الوطنية الأخرى.
مكتب المنظمة المركزى الخاص بمصر، أو الإنتربول المصرى، سبق أن طالب السلطات الإيطالية، عبر نظيره الإيطالى، بتسليم هؤلاء المجرمين، ثلاث مرات، على الأقل، خلال العامين الماضيين: قبل وبعد إحالة المتهمين لمحكمة الجنايات، وبعد صدور الحكم بإدانتهم. وعليه ستكون مخطئًا لو ربطت، كما ربط البعض، بين المطالبة الجديدة، وحالة التصعيد الكلامى بشأن قضية الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، الذى لقى مصرعه فى القاهرة، منذ خمس سنوات. فى مايو ٢٠١٨، تم اكتشاف عملية التهريب، بعد أن ضبطت السلطات الإيطالية حاويات دبلوماسية فى ميناء سالرنو، تحتوى على قطع أثرية نادرة قادمة من ميناء الإسكندرية، وتواصلت مع السلطات المصرية للكشف عن ملابسات الجريمة أو عملية التهريب. ووفقًا للإجراءات المتبعة فى مثل تلك الحالات، أرسلت السفارة المصرية فى روما أسطوانة تحتوى على صور القطع المضبوطة إلى وزارتى الخارجية والآثار، وتم تشكيل لجنة لفحصها والتأكد من أثريتها، إذ إن معظمها كان نتاج عملية حفر غير مشروعة، وليس من مقتنيات المخازن أو المتاحف المصرية. بانتهاء أعمال اللجنة، وبثبوت أثرية القطع، وبعد اتصالات مباشرة بين النائب العام المصرى ونظيره الإيطالى والسلطات القضائية الإيطالية المختصة، استردت مصر القطع المضبوطة، أوائل يوليو ٢٠١٨، وكانت عبارة عن ٢١ ألف عملة معدنية، و١٩٥ قطعة أثرية، منها ١٥١ تمثالًا «أوشابتى» صغير الحجم من الفاينس، و١١ آنية فخارية و٥ أقنعة مومياوات، بعضها مطلى بالذهب، وتابوت خشبى، إلى جانب مركبين صغيرين من الخشب، و٢ رأس كانوبى و٣ بلاطات خزفية ملونة تنتمى للعصر الإسلامى.
بالتزامن، قامت السلطات الإيطالية، مشكورة، بتقديم كافة البيانات الخاصة بتاريخ وصول الحاويات الدبلوماسية، والجهة المُصدّرة لها. وتدريجيًا، تكشفت خيوط القضية، وتم تحديد المتهمين فى القضية أو أفراد التشكيل العصابى: بطرس رؤوف غالى، شقيق وزير المالية الأسبق، وصاحب إحدى شركات السياحة، لاديسلاف أونكر سكاكال، القنصل الفخرى الإيطالى السابق بالأقصر، ماسيميليانو سبونزيللى، الملحق الدبلوماسى الاقتصادى والتجارى بالسفارة الإيطالية، مدحت ميشيل جرجس، صاحب شركة شحن و... و... وآخرين.
التحقيقات توصلت إلى أن القنصل الهارب هو من قام بـتهريب تلك القطع من ميناء الإسكندرية داخل حاويات تخص البعثة الدبلوماسية الإيطالية، بمعرفه الملحق الدبلوماسى الاقتصادى والتجارى، بالاتفاق مع مسئول شركة الشحن، وبمساعدة المتهمين المصريين، الذين تم ضبطهم وحبسهم على ذمة القضية. ولاحقًا، أحالت النيابة العامة المتهمين إلى المحاكمة، وأمرت، للمرة الثانية، بضبط وإحضار الهاربين وإدراجهم على النشرة الدولية الحمراء، وقوائم ترقب الوصول. وتكرر الأمر، بعد أن قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة المتهمين، فى ١٥ فبراير الماضى، ومع ذلك لم تقم إيطاليا بتسليم هؤلاء المجرمين إلى مصر: الدولة التى ارتكبوا جريمتهم على أرضها، وتكفل لها كل القوانين والتشريعات والعرف الدولى، حق محاكمتهم ومعاقبتهم.
لا توجد اتفاقية لتسليم المجرمين بين مصر وإيطاليا، لكن الاتفاقيات ليست هى وحدها التى تمنح صفة الإلزام من عدمه، فهناك العرف الدولى ومبدأ المعاملة بالمثل. وفى كل الأحوال، فإن الكلمة الحاسمة تكون للدولة المطلوب منها التسليم، والتى تقوم، عادة، بتغليب مصالحها السياسية، السيادية، على اعتبارات القانون والعدالة. أما المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، المعروفة اختصارًا باسم «الإنتربول»، فليس لها أى سلطة إكراهية، أو إلزامية، على الدول المطلوب منها التسليم، ويقتصر دورها على المساعدة والتنسيق وتقديم الدعم الفنى والميدانى و... و... إلخ.
لن تكون مخطئًا، إذن، لو قطعت بأن إيطاليا لن توافق على تسليم الدبلوماسيين المجرمين، مع أنهم ارتكبوا جريمتهم على أرض مصر، وصدر ضدهم حكم قضائى. كما لن تكون مخطئًا، أيضًا، لو تشككت فى سلامة القوى العقلية لذلك الذى يطالبنا بتسليم متهمين محتمَلين، متخيَّلين أو مُفترَضين، فى جريمة حدثت خارج بلاده، دون أن يقدم دليلًا واحدًا على ارتكابهم لها.