رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافة الشاي.. سمات مميزة وجزء أصيل من تكوين ووجدان الشعب الصيني

ثقافة الشاي
ثقافة الشاي

تشكل ثقافة الشاي واحدة من السمات المميزة للصين التي تعد أكبر منتج ومستهلك للشاي في العالم، مع وجود 3 آلاف نوع من الشاي على أراضيها يختلف كل نوع عن الآخر وفقا لطبيعة المناخ الذي يزرع فيه وعملية التجفيف والتركيبة.

ويرجع تاريخ الشاي في الصين إلى القرن الثالث قبل الميلاد، حيث تشير الأساطير إلى سقوط ورقة شجر في كوب ماء ساخن خاصة بالإمبراطور "هان" ما أدى لتحويل لون الماء إلى الأصفر، ليحوز طعمها على إعجاب الإمبراطور الذي أمر بجعله مشروبا موحدا للصينيين، ومنذ ذلك الحين، بدأت الصين بزراعة الشاي، الذي يطلق عليه اسم "تشا" أي شاي.

وحيث إن الشاي يعتبر أحد سمات الحضارة الصينية، وتقديمه للضيوف يعبر عن مدى الاحترام والتقدير، لاسيما مع فوائده الصحية التي تتراواح بين تخفيض الوزن وتنشيط الدورة الدموية وتنظيم الهضم، فإن الصينيين يهتمون بزراعته وإنتاجه بأنواع مختلفة ونكهات كثيرة، فيما يعد أشهرها "أولونغ والياسمين والأسود والأخضر والأصفر والأبيض والأحمر"، والتي يترواح سعر الخمسمائة جرام من الأنواع الجيدة لكل واحدة منها بين 300 يوان و1000 يوان (50 إلى 160 دولارا).

ويتميز شاي أولونغ بأنه مزيج من الشاي الأخضر والأصفر، وله نكهة خاصة وصفات عطرية مقارنة بباقي أنواع الشاي، ويساعد على الاسترخاء ومفيد لإذابة الدهون، فيما يعتبر الشاي الأخضر (التنين) أقدم أنواع الشاي في الصين وأكثرها شعبية، بينما يتم إنتاج الشاي الأصفر (الإمبراطوري) عن طريق تجفيف أوراق الشاي الرطبة بشكل طبيعي، للحفاظ على رائحته المميزة، ويعود نسبه إلى أن اللون الأصفر كان اللون الإمبراطوري التقليدي.

أما الشاي الأبيض فهو عبارة عن شاي أخضر تم تجفيفه على عجل، وليس له لون واضح وأقرب إلى الماء الساخن، ويقدمه فقراء الصين لضيوفهم، حيث لم يكن لديهم مقدرة لشراء الشاي باهظ التكلفة، ولكن تم حاليا إنتاج أنواع متميزة من الشاي الأبيض بأسعار تصل إلى 900 يوان للخمسمائة جرام (150 دولارا)، ويعتقد الصينيون أنه يقي من الإصابة بالأمراض السرطانية.

وبالنسبة للشاي الأحمر فيتم تصدير معظمه للخارج، أما الشاي الأسود فهو غير شائع لأنه يكون قويا على المعدة وإن كان البعض يفضل تناوله في الليل من أجل نوم أفضل، فيما يعد شاي "بوير" (شاي غامق اللون أقل درجة من الأسود الداكن) واحدا من أهم أنواع الشاي في الصين، حيث إن تاريخه يعود لأكثر من ألفي سنة وهو خليط من مجموعة نباتات يتم معالجتها بتقنيات معينة يدوية وضغطها، ويعتبر أفضل وقت لتناوله عقب وجبة الطعام مباشرة للمساعدة على حرق الدهون وتخفيف ضغط الدم وضبط السكر. ويهتم الصينيون بكل تفصيلة متعلقة بالشاي خاصة أدواته وطريقة إعداده وتقديمه، حيث يتم أولا غسل الأكواب بالماء الساخن، وتمرير الماء الساخن في تمثال على هيئة طفل صغير بفتحة في منتصف الجسم، بحيث لا يخرج الماء من هذه الفتحة إلا إذا وصل إلى درجة حرارة معينة تعد مؤشرا على أن الماء أصبح مناسبا للشاي. ويتم بعد ذلك سكب قطرات من الماء الساخن على أوراق الشاي في الأبريق لعمل ما يصفه الصينيون بـ "الصدمة"، حتى يتم تهيئة أوراق الشاي لإخراج أفضل نكهاتها، ثم يتم التخلص من هذه القطرات قبل سكب الماء الساخن بالكامل في الإبريق، وتركه لعدة دقائق قبل صب الشاي للضيوف.

ويختلف حجم كوب الشاي وفقا لظروف احتساء الشاي، بمعنى أن الكوب الصغير للاستمتاع مع الأصدقاء والأهل وتكرار تناول الشاي طوال الجلسة مع مراعاة إضافة ماء ساخن على أوراق الشاي كلما فرغ الماء، نظرا لأن الصينيين يعتقدون أن نكهة الشاي تزداد جمالا في كل مرة يتم إضافة الماء الساخن، ويمكن الاستمرار في إضافة الماء على نفس الأوراق ليوم كامل، فيما يكون الكوب الكبير للشخص الواحد الذي يحتسي الشاي بمفرده.

وتختلف كذلك طريقة إمساك كوب الشاي، بمعنى أن طريقة الدراجون (التنين) تتناسب مع الرجل، بينما طريقة الفينيكس تتناسب مع المرأة.

وتنتج الصين نحو 5ر2 مليون طن من الشاي سنويا أي ما يعادل 40% من إنتاج الشاي العالمي (6 ملايين طن في أكثر من 60 دولة ومنطقة تزرع الشاي)، كما تعتبر الصين أكبر سوق للشاي في العالم مع استهلاك أكثر من مليوني طن سنويا، وهو ما يعادل 5ر1 كيلوجرام لكل مواطن صيني، فيما تظل ثقافة الشاي جزءا أصيلا من تكوين ووجدان الشعب الصيني.