رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رقصة شرقية بين العلم والدولة


ولدى الحكومة مئات الأبحاث حبيسة الأدراج منها ما يتعلق بعلاج مشكلة القمامة ومعالجة الصرف الصحى وإنشاء وكالة فضاء مصرية وغير ذلك مما نحتاجه للتطور والتقدم. ومادام العلم يتيما فى بلادنا فلا يبقى أمامنا سوى قناة للبحث العلمى ف يما إن كان الرقص مجرد هز وسط أم أنه منظومة علمية تتضمن الهز وتلعيب الحواجب والرقبة!

أعلنت فيفى عبده أنها ستطلق قناة فضائية للرقص الشرقى من أجل «محاربة الابتذال». فيفى من مواليد 1953على الأقل. حاربت الابتذال فى ثمانية مسلسلات وأربعين فيلما وخمس مسرحيات منها «إدلعى يادوسة». لدى فيفى بمفردها القدرة على إطلاق قناة فى الوقت الذى مازالت فيه الدولة والثورة والقوى الثقافية عاجزة عن إطلاق قناة واحدة لنشر العلم! تتمتع فيفى بالجرأة والخيال والطموح أما الدولة فلا تؤرقها أية أحلام فى تبديد ظلمة الوعى التى أغرقت الريف والمدن فى الاقتتال الطائفى إلى أن طفت دماء الوطن فى نزلة عبيد والبدرمان. لا تقدم حكومة الثورة مشروعا لمحو الأمية الضارية التى عمت أكثر من نصف الشعب ولا ترعى ولا تصدر مجلات علمية، ولا تدعم البحث العلمى، ولا تخطط لإطلاق قناة للعلم.

من حق فيفى أن تفتح بذراعها قناة فضائية فى بلد يمنح الفنانات الملايين ويبخل على العلم بالملاليم. ولقد انقضى نحو القرن منذ أن دعا سلامة موسى فى عام 1930 لايجاد حركة علمية شعبية فى مصر، وإنشاء المجمع المصرى للثقافة العلمية ليضم كل المهتمين بالعلوم لنشر نور المعارف العلمية. لكن دعوته مازالت معلقة فى فراغ العتمة. أما الثورة فإنها لا تضع فى مقدمة أهدافها تطوير العلم، ولا يدخل ذلك فى برامجها ووثائقها وهتافات ثائريها. هل ينفتح أفق التطور أمام ثورة من دون علوم؟ وهل يغيب عن حكومة الثورة أن بلادنا لن تتقدم من دون العلم؟ يغيب! بدليل أن ما تخصصه الحكومة لكل عضو بهيئة تدريس فى جامعاتنا لا يزيد عن ثلاثين جنيها للبحث العلمى! ولو أنها خصصت هذا المبلغ للبحث عن سندويتش لكانت أكثر واقعية!

تهمل حكومتنا وتزدرى منظومة البحث العلمى بمعاملها ومراكزها ومعاهدها، وتغض النظر عن طاقة مئة وعشرين ألف باحث وعالم مصرى فى مختلف المجالات عاجزين عن إفادة وطنهم. لدينا صندوق لدعم البحث العلمى ميزانيته عشرة ملايين جنيه أى نصف ميزانية مسلسل «الحاج متولى»! . تنفق الدولة على البحث العلمى 1% من إجمالى الناتج القومى وتنفق إسرائيل على العلم مقدار ما تنفقه كل الدول العربية مجتمعة!

وحسب تقارير اليونسكو عام 2008 سجلت إسرائيل أكثر من ألف براءة اختراع، أى ما يفوق عدد الاختراعات التى سجلها العرب على امتداد تاريخهم الحديث! ولقد تقدم عصام حجى المستشار العلمى لرئيس الجمهورية باقتراح مهم لاستحداث مادة فى الدستور تنص على رفع ميزانية البحث العلمى بحد أدنى 1% من الدخل القومى، أى أقل من كل المعدلات العالمية. إلا أن مشروع الدستور اكتفى فى مادته 59 بنص فضفاض مرواغ يفيد أن الدولة ستخصص للبحث العلمى «نسبة كافية من الدخل القومى»! كافية يعنى كم؟!

ومعنى ذلك أن حكومة الثورة ترفض أن تخصص حتى الحد الأدنى الحرج للإنفاق على العلم، وأنها ستواصل احتقارها للعلم أى احتقارها لمستقبل مصر.

■ كاتب وأديب