رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلمة قبيحة..!


أخيرا انكشف المستور ورضخت لجنة الخمسين المعنية بوضع الدستور الجديد للإرهاب الفكرى الذى مارسه عليها التيار السلفى وقررت حذف كلمة «مدنية» من المادة الأولى بالدستور وكأنها كلمة «قبيحة» لابد من التخلص منها.

بوضوح شديد وبلا أى مقدمات لقد أهدرت هذه اللجنة على مصر فرصة تاريخية نادرة لوضع دستور عصرى حديث يقر بالقيم المدنية للدولة العصرية التى تلحق بركب التقدم، وأعتقد أن أصل المشكلة يعود إلى عدد من الإشكاليات أوجزها فيما يلى:

عدم تأصل الفكر الليبرالى فى البيئة الفكرية المصرية التى تشهد مراوحة واضحة بين التخلص من حكم «الإخوان» ومحاولة تملق أقرب حلفائهم وهم السلفيون الذين يلعبون دورا شديد الخطورة، وهم أكثر تشددا وخطورة من الإخوان، إذ هم يعلنون على المستوى المعلن مساندتهم لخريطة الطريق، بينما هم يتحالفون واقعيا وعمليا مع ما يسمى بـ«تحالف دعم الشرعية» الذى يضم كثيراً من الحركات الراديكالية الحليفة لحكم الجماعة.

إننا لم نملك حتى الآن شجاعة المواجهة، فالطبيعة المتدينة للشعب المصرى – وأعضاء الدستور جزء منه – تجعله مؤهلا للوقوع ضحية وهم التصور بأن مفهوم «مدنية» الدولة قد يتضارب مع القيم الدينية، ولهذا نجد من يمكن أن يفرط بسهولة فى تلك القيمة تحسبا لشكوك وهواجس قد تؤرق ضميره يوما بأنه عمل ضد دينه.

ثم نصل إلى النقطة الأخطر والأهم وتكمن فى أن سر الابتلاء الذى ابتليت به مصر يتمثل فى ذلك الاشتباك الكارثى بين الدين «الذى هو فى الأساس علاقة بين العبد وربه»، وبين السياسة «كنشاط بشرى قابل للاجتهاد، والخطأ والصواب».

وللأسف الشديد لم تجرؤ أى قيادة سياسية حتى الآن على الاقتراب من تلك المشكلة بهدف فض هذا الاشتباك، ليس تنحية للدين وإبعاده عن الحياة، لأنه لا يمكن لعاقل أن يفكر فى ذلك، ولكن بهدف وضع كل شىء فى مكانه، فلا يصح إضفاء مسحة مقدسة على السياسة، ولا يجب إقحام الدين فيما ليس له فيصبح وسيلة للتمايز بين البشر.

بصراحة شديدة.. لقد تحدثنا كثيرا عن مفهوم المدنية، ويبدو أن كل طرف كان يقصد معنى له إطار دلالى ومعنى مغاير لما يقصده غيره، فالإسلامى حين يتحدث عن أن الإسلام لم يعرف الدولة الدينية فى إشارة إلى إنكار فكرة حكم رجال الدين كما يحدث فى إيران، تجاهل أن هذا التصور وإن كان صحيحا حتى درجة معينة إلا أنه ليس مطلقا، لأن رجل الدين أو عالم الدين وإن كان لا يمارس حكما مباشرا فى إطار الدساتير التى تكرس لدولة شبه دينية كما هو الحال فى دستورنا، إلا أنه يبقى له دوره الفاعل من وراء الستار فى تحديد مفهوم المحظور والمباح الذى يلتزم به متخذ القرار.. وتلك هى الطامة الكبرى.

للأسف الشديد.. لقد أهدرت لجنة الدستور فرصة لن تعوض، وارتكبت ما يصل إلى حد الخيانة فى حق هذا الشعب.

■ مساعد رئيس تحرير جريدة الجمهورية