رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفهوم الدولة الحديثة ومكانة الدين .. رؤية دستورية


استكمالا لمقال الأمس نؤكد أنه قد تثار منازعات بين دولة وأخرى أو أكثر من دولة مجاورة من جهات مختلفة حول نقاط الحدود الفاصلة، وترفع المنازعات إلى المنظمات الدولية والتى -عادة- ما تكون الدول المتنازعة أعضاء فى هذه المنظمات، كالأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية والتى تحاول فض المنازعات بالطرق السلمية تجنباً للمعارك والحروب التى عانت منها البشرية عبر قرن من الزمان، ولا تزال هناك بعض المشكلات المثارة حول النقاط الحدودية فى العديد من الدول.

والسؤال: هل الدولة يمكن اختزالها فى السلطة أو الحكومة؟ فتسمع التعبير الصادر من جهات الدولة وهم يحكمون أو يقضون باسم الدولة، وينبغى أن نشير هنا إلى أن الدولة أكبر من الحكومة، وأكثر اتساعاً، فالدولة كيان شامل يتضمن جميع المؤسسات وكل المواطنين، وأن الحكومة ليست إلا قطاعاً من مكونات الدولة، ليؤدى دورها من خلال السلطة التى منحها لها المواطنون للقيام بالدور المناط إليها.

وقد يتغير نظام الحكم أو يعدل مع استمرار النظام الأوسع والأشمل، فالدولة إذاً هى شعب وإقليم وسلطة، ولا يمكن أن توجد دولة دون تكامل العناصر الثلاثة الأساسية. الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، كان هذا محور حديث الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق بقوله: «نعيش زمن الخوارج والإسلام لا يعرف الدولة الدينية، إذ لا يوجد فى الإسلام ما يعرف بالإسلام السياسى، فالإسلام هو الإسلام بمبادئه وأحكامه، ولا يوجد أيضاً ما يعرف بالدولة الدينية ، والقضية لدينا هى دولة يحكمها العدل والأمن والشريعة السماوية التى لا تظلم أحداً ، بل تحقق العدالة». ويستطرد الشيخ محمود عاشور «أنا أريد دولة مدنية تطبق الـشريعة والسنة، وهذا هو الإسلام، تتسم بالحزم، وضمان حقوق المواطنين جميعاً، والحاكم السليم لا بد أن يطبق عدل الله على نفسه أولاً وقبل أى مواطن، فأنا أرفض تماماً الإسلام السياسى».

وخلاصة القول: إن الدولة الدينية لم تعد هى النموذج المقبول فى الغرب أو فى الشرق ، والبديل هو الدولة المدنية التى لا تتعارض مع الأديان المختلفة، بل على العكس، فالدولة المدنية تكفل الحرية، وأهم الحريات هى الحرية الدينية، فالدين – خاصة فى بلادنا - له مكانته فى القلوب والعقول، فمصر حتى قبل الأديان عرفت مكانة الدين فى حياة الشعب، فالله هو مصدر الخير، والنيل شريان الحياة الذى يحظى بالتوقير، والمراسم الدينية المرضية للإله مصدر الحياة، بل عرف المصرى القديم أن الانسان خالد بعد الموت، إذ هناك قيامة للأجساد، ولهذا عرفوا التحنيط لحفظ الأجساد انتظاراً للقيامة، وبنوا الأهرامات لحفظ أجساد ملوكهم انتظاراً ليوم البعث، فالدين إذاً ليس نصاً دستورياً ولا قهراً بشرياً من حاكم على محكوم، وإنما رغبة دفينة داخل الانسان تظهر فى ممارسة العبادة، وقبل العبادة السلوك، والعمل فيما ينفع الناس، ويحقق الرخاء والأمن والتراحم والتواد.فالدين حياة للبشر، وبه يعيش الناس متحابين، يقسمون خيرات بلادهم بالحق وبالعدل، ويساعد القوى الضعيف، والغنى الفقير، وهذا هو معنى التضامن وتفعيل النصوص الدينية والممارسات العبادية إلى واقع معاش، وحياة يراها الآخرون، فالأعمال ثمر طبيعى للدين. أما من يكفر الآخرين، ويحكم بمن يدخل الجنة ومن يحرم منها، فليسمع إلى القول الفصل: «من أنت أيها الإنسان حتى تدين عبداً غيرك، دعه لمولاه هو الذى يدين وهو الذى يبرر».