رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوقوف حداداً على أرواح الموتى


فى جلسة الفترة الثانية للجنة الخمسين يوم الأربعاء 25 /9/ 2013 دعا رئيس اللجنة السيد عمرو موسى إلى الوقوف دقيقة حدادا على كل من نقيب الفلاحين / محمد عبدالقادر، عضو لجنة الخمسين، رحمه الله تعالى، حيث قضى فى حادث سيارة مروع،

وكذلك الوقوف دقيقة أخرى حداداً على روح اللواء نبيل فراج، الذى قضى فى أحداث كرداسة الأخيرة . وقف الجميع باستثناء عضو واحد فقط هو الدكتور / محمد إبراهيم منصور، ممثل التيار الإسلامى فى لجنة الخمسين والقيادى فى حزب النور . ورغم أن الصورة الواضحة التى جاءت فى جريدة الأخبار فى اليوم التالى مباشرة، وهو يوم الخميس 26 /9 / 2011 توضح ذلك وتوضح وقوف ممثل حزب النور الاحتياطى المهندس صلاح عبد المعبود بما لا يدع مجالا للشك، إلا أن الخبر يقول «السلفيون يرفضون الوقوف حدادا على روح عبد القادر وفراج»

الذى يعود إلى السيرة النبوية الشريفة، يعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو القدوة والأسوة الحسنة للبشرية جميعا، كما بقية الأنبياء والمرسلين وتابعيهم، كما يقول القرآن الكريم، « لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر » ويقول القرآن فى حق المصطفى صلى الله عليه وسلم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» نقول إن الرسول وهو القدوة الحسنة، وقف تقديرا واحتراما لمشاعر جنازة رجل يهودى فى المدينة المنورة، وعندما قال له الصحابة «إنها جنازه يهودى» قال الرحمة المهداة «أليست نفسا» أو «روحا» كما قال .

وعند أهل العلم فإن هذه مسألة خلافية، وليست من مسائل العقيدة على الإطلاق وهى أيضا من الأعراف التى يجب أن نحترمها .

ويقول علماء الأصول «العادة محكمة»، وهى من الأعمال التى تقرب الشقة بين المواطنين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، والتى تحبب الناس فى الإسلام ووسطيته ورعايته ورحمته للجميع . أرى - والله أعلم – أن أضرار عدم الوقوف حدادا على أرواح الميتين سواء مسلمين أو من غيرهم، يتنافى مع ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتهاد يشوه صورة المسلمين أو التيار الذى يعتنق ذلك وكأنه جزء من عقيدة المسلم . أقول ذلك فى ضوء ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم نحو جنازة اليهودى فى المدينة، وفى ضوء قوله تعالى «ولقد كرمنا بنى آدم» . كل بنى آدم أكرمهم وكرَّمهم الله تعالى، بالخلق فى صورة حسنة وبالنعم الكثيرة التى لا تحصى ولا تعد التى أنعم الله تعالى عليهم بها . « وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها». وباعتبار أنها ليست من مسائل العقيدة وليست من نواقض الإسلام، فإنها تكون على الأقل من المندوب الذى يقوى العلاقات الإنسانية، بما فيها الاجتماعية بين أبنا ء الوطن الواحد بل والإنسانية جميعا .

كنت أقف إلى جانب الدكتور محمد إبراهيم مباشرة، عند وقوع ذلك الأمر وقلت له يادكتور محمد، الوقوف حدادا على الميتين ليس من مسائل العقيدة، ولكنها أيضا ليست معركة يصورها الإعلاميون . وحيث إن ممثلى النور اثنان الأساسى والاحتياطى فى لجنة الخمسين، وقف أحدهما ولم يقف الآخر، فهى مسألة خلافية، تماما ولو كانت من مسائل العقيدة لما وقف آنذاك المهندس صلاح عبدالمعبود.

أما اعتبار ذلك الوقوف حدادا على الموتى أو الوقوف احتراما للسلام الجمهورى من أصول الشريعة ومبادئها، فهذا فى ظنى فهما ليس بصحيح ويحتاج أصحابه إلى المراجعة . وعندما يقول بعض السلفيين، « نحن ندعو للشهداء ونصلى ونترحم عليهم، ولكن وقوف دقيقة على الموتى بدعة ليست من الشريعة» فأنا أرى أن هذا رأى يخالفه الكثيرون لأنهم لايعرفون الشهداء تعييناً، وكثير من البدع الحسنة لم تكن فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فى عصور الصحابة رضوا من الله تعالى عليهم . كلام رجال بعض التيار السلفى فى مصر مثل كلام مفتى السعودية، ومخالف لما أفتت به دار الافتاء المصرية بجواز الوقوف مع الصمت لمدة دقيقة وتكريما لأرواح العلماء والشهداء وزعماء الإصلاح والشخصيات التى تحظى بالاحترام والتقدير، وأنا أرى أن ذلك جائز لعموم بنى آدم الذين كرَّمهم وأكرمهم الله تعالى .

أرى أنه لا ينبغى إثارة قضايا سياسية بناءً على المسائل الخلافية فى الفقه وهى كثيرة، بل إن الاختلاف ضرورة، نظرا لأسباب كثيرة منها اختلاف العقول والأفهام فى القدرة على الاستنباط، وسعة العلم، ومقدار ما بلغه الإنسان من ذلك العلم ولأسباب أخرى . أضرب هنا مثلاً بمسألة أثير حولها خلاف فقهى وهى من أبسط المسائل « مسألة الغسل أو الاستحمام يوم الجمعة»، الجمهور على إدراك وفهم أن هذا الغسل أو الاستحمام كما جاء فى الحديث النبوى الشريف يكون قبل أداء صلاة الجمعة، حتى يكون الإنسان نظيفا ورائحته طيبة عند الصلاة فلا يؤذى جاره، ورغم هذا الوضوح، ارتأى بعضهم أنه يمكن أن يكون الغسل بعد صلاة الجمعة، وهو رأى له مؤيدوه حيث لم يرد تحديد وقت فى الحديث .

ولك أيها القارئ أن تقيس مئات بل آلاف المسائل الفقهية على هذا النحو، وأنت على هذا النحو فى مأمن إذا كنت فى بيئة علمية، ولن يسبب موقفك ضررا، ولن يكون صباً للزيت على النار فى أحوال الفتن . أنا هنا لا أدافع عن موقف الدكتور محمد إبراهيم منصور، ولكننى أرى حقه فى الاختلاف فى الأمور الفرعية، رغم اعتقادى بأنه فى الحالات الإنسانية، مثل الوقوف حدادا على أرواح الموتى، كأنه دعوة للموتى بأن يرحمهم الله تعالى وتطييبا لأرواح الأحياء ولا علاقة له بالعقيدة، خصوصا أن مولانا الدكتور محمد هنا، لا يمثل نفسه ولا حزب النور فقط ولكنه يمثل التيار الإسلامى .

والله الموفق