رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أخطار الطائفية «1-2 »


المذاهب الإسلامية المعروفة كلها وخصوصا مذاهب أهل السنة الأربعة، والمذهب الاثنى عشرى والزيدية والأباضية مدارس فقهية وطرائق لفهم الإسلام والعبادة، وكل له اجتهاده وأدلته الكلية والفرعية أو الجزئية وافقناهم أم اختلفنا معهم .

أما الطائفية البغيضة فتسعى إلى إثارة النعرات، وتأجيج العواطف والمشاعر والفتن داخل بعض أبناء المذهب انحرافا عن المذهب الصحيح، إما لتشويه المذاهب الأخرى، أو الاستعلاء المذهبى، والافتراء على المذهب بجهل أو تأويل غير صحيح وخصوصا عندما تتعدد الأعراق فى البلد الواحد . ولقد شاهدنا فى التاريخ القديم والمعاصر ارتكاب مذابح عديدة، وهدم وحرق مؤسسات بل ومساجد ومشاهد ومزارات بسبب تلك الطائفية، وقد يقع الضرر الكبير على المكتبات ودور العلم والبحث كذلك .

أحيانا تصل أضرار الطائفية إلى الاستعانه بالقوى الخارجية، ولايهمها الاحتلال الخارجى، وأحيانا تقف إلى جانب الحصار الظالم غير الإنسانى على بلد مسلم تعميقا للطائفية وكراهية الاخوة فى الدين . شاهدنا الروح الطائفية التى تقف حجر عثرة فى طريق المساواة فى الحقوق والواجبات، وفى طريق أبسط حقوق الإنسان حتى يبرز التمييز، هذا فضلا عن تفتيت المجتمع أو الوطن، ونشر روح العداوة بين أبناء القبيلة الواحدة أو الأسرة الواحدة .

يهمنى دائما أن أذكر هنا قولين جميلين لأستاذين جليلين فى علاج هذا التوجه الطائفى وأنا أسميه التوجه الجاهلى فى العصرالحديث . القول الأول للأستاذ الدكتور محمد رشاد سالم فى كتابه « منهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة القدرية - الجزء الأول صفحة 94 من المقدمة. الكتاب لابن تيمية رحم الله تعالى موتانا جميعا»، وقد قامت جماعة تقول بوجوب التقريب بين المذاهب الإسلامية، وعدم جواز التعرض للخلافات بين الفرق الإسلامية المختلفة، حتى نحافظ بذلك على وحدة الصف بين جميع المسلمين، وعلى هذا الرأى يكون نشر كتاب مثل (منهاج السنة )فيه نقد لمذهب الشيعة والمعتزلة، مما يزيد الخلاف ويشيع الفرقة، وهو ما يجب أن نعمل على تلافيه وتجنبه».

ثم يقول الأستاذ الدكتور محمد رشاد سالم :

« ولا ريب أن اتحاد المسلمين واجتماع كلمتهم هو مايجب أن يسعى إليه جاهدا كل مسلم غيور على دينه مخلص لعقيدته،على أن هذا الاتحاد يجب أن يكون على الحق لا على الباطل، وعلى أساس التمسك بالكتاب والسنة، كما أمرنا الله تعالى بذلك فى قوله:« وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ» (سورة آل عمران 103)، وحبل الله هو كتاب الله } انتهى النقل.

أما الشيخ محمد الغزالى رحمه الله تعالى، فيقول فى كتابه : مع الله، صفحة 33 :

{هناك خلافات علمية، ومذهبية، حفرت فجوات عميقة بين المسلمين، وقطعتهم فى الأرض أمما متدابرة، وهم فى واقع أمرهم وطبيعة دينهم أمة واحدة.

والدارس لهذه الخلافات يتكشّف له على عجل أنها افتعلت افتعالا، وبولغ فى استبقاء آثارها وتفتيق جراحاتها، بل فى نقل حزازات شخصية،أو نزعات قبلية إلى ميدان العقيدة والتشريع، وذاك ما لايجوز بقاؤه إن جاز ابتداؤه.

وكلما زادت حصيلة العلم الدينى، وتوفرت مواد الدراسة الصحيحة انكمشت الخلافات، واتحدت الأمة الإسلامية منهجا وهدفا».

ويستمر الشيخ الغزالى فى كلامه القيم فى ذلك الكتاب فيقول:

«ولذلك نحن نرى التقريب بين هذه المذاهب فرضا لابد من أدائه،وأخذ الأجيال الجديدة به.كما نرى ضرورة إحسان النظر فى دراسة التاريخ الإسلامى، وتنقيته من الشوائب التى تعكر صفاءه» انتهى النقل.

ولا يفوتنى هنا أن أذكر ما كتبه الشيخ القرضاوى فى صفحة 8، 9 من كتابه : مبادئ فى الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية :

«ولاشك أن منطق الدين والعلم والواقع يؤكد: أن حوار المسلمين بعضهم مع بعض أحق وأولى بالاهتمام من الحكماء والعقلاء من أبناء الأمة، وإذا كنا مأمورين بالحوار مع مخالفينا من أهل الديانات الأخرى، بقوله تعالى «وجادلهم بالتى هى أحسن « ( النحل :125 ) أفلا نحاور من تجمعنا به العقيدة الواحدة، والقبلة الواحدة، وكلمة ( لا إله إلا الله، محمد رسول الله ) ؟

لهذا أعتقد أن اهتمامنا بالحوار الإسلامى المسيحى، لا يجوز أن يزيد أو يجور على اهتمامنا بالحوار الإسلامى الإسلامى، ولاسيما بين الفئتين الكبيرتين : السنة والشيعة، بغية التقريب بينهما بالحق لا الباطل .

ثم يقول الشيخ القرضاوى :

«إن اللقاء والحوار وتبادل الأفكار، يساعدنا على أن يفهم بعضنا بعضا، ويقترب بعضنا من بعض، ويزيل الجفوة، وينشئ المودة، ويجلو كثيرا من الغوامض، ويزيح الكثير من الشبهات، وذلك إذا خلصت النيات، وصحت الأهداف، وقويت العزائم، وغلب العقل على الهوى، والحكمة على التهور، والوسط على الشطط».

ثم يقول:

«على أن هنا عاملا مهما يدعو الأمة كلها، بجميع مذاهبها ومدارسها وطوائفها : أن تتقارب وتتلاحم وتتضامن فيما بينها . وهو الخطر الداهم الذى يهدد الأمة جمعاء، إن لم تقف له بالمرصاد . إنه خطر تجمعت فيه الصهيونية والصليبية والوثنية، رغم ما بين بعضها وبعض من خلافات، ولكن جمعهم العدو المشترك وهو الإسلام» انتهى كلام الشيخ القرضاوى .

طبعا هذا الموقف كان قبل ثورات الربيع العربى، والموقف المخالف من نفس القضية الذى اتخذه للأسف الشديد الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين برئاسة القرضاوى فيما بعد . والمقال القادم إن شاء الله تعالى عن أخطار الطائفية فى مصر.

والله الموفق