رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تساؤلات عن إعجابى بمشروع البنا


يتساءل بعضهم عن شروحاتى أحيانا وتناولى مشروع الدعوة ، كما اقتنع به وأسسه حسن البنا -رحمه الله تعالى- بل ويتعجب بعضهم من إعجابى الكبير بكتابات وتعاليم حسن البنا. تمنيت أن الإخوان المسلمين يفهمون حسن البنا فهما جيداً،

ويعملون فى الدعوة السلمية بالأخلاق والصفات التى أكد عليها الإمام البنا. لو حدث ذلك دون انحراف عن تلك التعاليم، لكانت الفكرة والمشروع فى مقام رفيع دون تعارض، بين الفكرة الوطنية وأهميتها، والفكرة القومية وضرورتها، والفكرة الإسلامية ومشروعيتها. هى درجات فى سلم الارتقاء بالوطن ثم بالأمة ثم بالإنسان عالميا أو بالإنسانية، وإضافة ما تحتاجه تلك الإنسانية رغم التقدم المادى الواضح فى الغرب .

كذلك نرى فى مشروع البنا الإسلامى، أنه يركز على أن يتحلى كل فرد فى الأمة دون إكراه أو إجبار بصفات عشر هى: أن يكون الفرد « سليم العقيدة ، صحيح العبادة، متين الخلق، قوى البدن، مثقف الفكر، منظما فى شئونه، محافظاً على الوقت، مجاهداً لنفسه، قادرا على الكسب، نافعا لغيره « : طبعا هذه الصفات العشر تحتاج إلى برنامج ثقافى وتربوى لغرسها فى نفوس من يقبل عليها من الشباب. وقد سألت مسلمين ومسيحيين وعلمانيين وليبراليين عن ذلك، فأكدوا جميعا أنهم يتمنون أن يتحلى أولادهم وجيرانهم بل المجتمع كله بتلك الصفات.

وقد شرحت فى مقالات سابقة بعنوان : تمصير الإخوان، كيف كان حسن البنا مع غلاة الوطنية حباً فى الوطن ووحدته، بعيدا عن التضاغن والتحزب مع التعصب أو الاستقطاب. كذلك كان حسن البنا يؤمن إيمانا عميقا بتقويم الأداء، واعترافا بالأخطاء وضرورة تصويبها وملأ الفراغات . وقد ذكر ذلك فى مقدمة رسالة: المؤتمر الخامس، بوضوح فقال « أيها الإخوان :

كنت أود أن نظل دائما نعمل ولا نتكلم، وأن نكل للأعمال وحدها الحديث عن الإخوان وخطوات الإخوان، وكنت أحب أن تتصل خطواتكم اللاحقة بخطواتكم السابقة فى هدوء وسكون من غير هذا الفاصل الذى نحدد به جهاد عشر سنوات مضت، لنستأنف مرحلة أخرى من مراحل الجهاد الدائب فى سبيل تحقيق فكرتنا السامية «. طبعا حسن البنا يرى أن يشير هنا إلى الجهاد فى الدعوة ونشرها. لم يكن هناك فى تلك الأيام خصومة ولا ضغناء بسبب التنافس السياسى».

ثم يقول للمجتمعين فى المؤتمر الخامس :

ولكنكم أردتم هذا، وأحببتم أن تسعدونا بهذا الاجتماع الشامل فشكرا لكم، ولا بأس أن ننتهز هذه الفرصة الكريمة فنستعرض برنامجنا ، ونراجع فهرس أعمالنا، ونستوثق من مراحل طريقنا، ونحدد الغاية والوسيلة، فتتضح الفكرة المبهمة، وتصحح النظرة الخاطئة، وتعلم الخطوة المجهولة، وتتم الحلقة المفقودة، ويعرف الناس الإخوان المسلمين على حقيقة دعوتهم، من غير لبس ولا غموض».

هكذا يرى الإمام البنا أن الطريق يحتاج إلى توضيح الفكرة المبهمة وتصحيح النظرة الخاطئة واستشراف المستقبل فى معرفة الخطوة المجهولة وإتمام الحلقة المفقودة. وهذا هو الذى يقدم الإخوان المسلمين للناس. ثم يقول الإمام البنا :

« لا بأس بهذا، ولا بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة ومن سمع أو قرأ هذا البيان، برأيه فى غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا، فنأخذ الصالح من رأيه، وننزل على الحق من مشورته، فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم». وهنا أيضا نرى أن الإمام البنا يرحب برأى الآخرين من غير الإخوان حتى فى الغاية والوسيلة والخطوات ليستفيد برأى الجميع. وهنا ليس هناك سرية على الإطلاق كما يحدث اليوم .

كان حسن البنا كذلك يرى – كما كتب فى رسالة التعاليم، فى أصول الفهم – أن الإسلام يحرر العقل ويحث على النظر فى الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح النافع من كل شىء، فالحكمة ضالة المؤمن إن وجدها فهو أحق الناس بها «. وهنا يدين البنا سلوك أى فرد لم يتحرر عقله فى ضوء الإسلام، ويدفع الإخوان بل الأمة إلى تبنى مشروعات مفيدة للنظر فى الكون والتقدم من خلال البحث العلمى.

أما أجمل ما كتب حسن البنا، وكأنه يرى القيادة الحالية للإخوان المسلمين ويعاتبها على ما فعلت بالإخوان، وبهذه القوة التنظمية الكبيرة، فيقول فى رسالة التعاليم « فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم، وإلا ففى صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين. وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك، كان جزاؤك العزة فى الدنيا والخير والرضوان فى الآخرة، وأنت منا ونحن منك، وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك، وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر، وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب، فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق».

وكل تعاليمه - كما أعتقد - كانت سلمية، ولكن حبه للوطن دعاه إلى السعى فى إعداد القوة لتحرير الوطن من المحتل الأجنبى، وجعل هذا الهدف من الأولويات فى الدعوة، وأنشأ لذلك نظاما خاصا كان جمال عبد الناصر- رحمه الله تعالى- جزءاً منه ومدرباً فيه. ولا يضير البنا أن بعض أعضاء ذلك التنظيم أخطأوا فأجرموا وقتلوا بعض المصريين فقال عنهم الإمام البنا « ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين « وقال : لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لعدت بالإخوان إلى أيام المأثورات «. هل يستطيع الإخوان ذلك اليوم، ينبذون العنف إلى الأبد من جديد بعد الأحداث المؤسفة الأخيرة فى شرق البلاد وعرضها. ويحمون الوطن من الوقوع فى أيدى محتل غادر ينتهز الفرصة ليهيمن على مصر. ومصر برجالها وجيشها وأمنها سترفض قطعا هذه الهيمنة.

والله الموفق