رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الواقع فى مصر وتوقعات المستقبل


يسأل الناس فى مصر وخارج مصر وكثير من الإعلاميين والسياسيين اليوم عن مستقبل الإخوان المسلمين، وخصوصا بعد فض الاعتصامين الكبيرين فى ميدان رابعة العدوية وفى ميدان النهضة بالقرب من جامعة القاهرة،

وما صاحب عملية الفض من دماء أسيلت وأرواح أزهقت من المعتصمين بعدد كبير، ومن الشرطة، ومنها مجزرة شرطة كرداسة التى تبعد عن أماكن الاعتصامين بعدة كيلو مترات. يتساءل الجميع فى ضوء ما حدث أيضا يوم الخميس الماضى من عدوان على الكنائس والبنوك والمدارس والمستوصفات وحتى الملاهى ومتحف ملوى والمحاكم والشهر العقارى والمؤسسات العامة بل وأقسام الشرطة ومبانى المحافظات، وما وقع من قتل وتخريب وتدمير وحرائق فى مناطق عدة.

وبكل الألم والحسرة والدموع على تلك الأرواح التى قتلت، ندعو الله تعالى لهم أن يتقبلهم جميعا فى رحمته، وأن يلهم أهاليهم الصبر ويعوضهم عنهم خيرا. كان من القدر أن تقتل أو تستشهد من ضمن من أصابهم القتل الاعلامية الشابة حبيبة أحمد عبد العزيز، التى جاءت مؤخرا من الإمارات العربية حيث تعمل فى «جلف نيوز» لكى تغطى الأحداث فى مصر. حبيبة ابنة الأخ الكريم والابن العزيز أحمد عبد العزيز كانت لا تنادينى إلا جدوّ، منذ أن ولدت وبدأت تتحدث وغيرها كثير.

أتألم لأننى سأفقد هذا النداء الجميل. كانت تتحلى بالشجاعة والاحتمال. وشاركتنى ليلة ليلاء فى محمد محمود فى نوفمبر 2011 مع المستشار زكريا عبدالعزيز، والشيخ الجليل مظهر شاهين، والأستاذ محمود دشيشة، ومجموعة كبيرة من الشباب المجاهد الذين أطلق عليهم بعضهم من الإسلاميين آنئذ بالبلطجية. ولهذا قصة أخرى ليس مكانها هذا المقال. رحم الله تعالى حبيبة وكل قتلانا، وندعو الله تعالى لهم الجنة جميعا، فليس هناك مفاتيح للجنة ولا للنار مع أحد حتى لو كان هذا الرجل هو عاصم عبد الماجد ولا صفوت حجازى ولا غيرهم.

ومع طلب الرحمة لهم نتذكر قوله تعالى : « قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ» ونتذكر قول الشاعر : « ومن المقدور لا ينجو الحذر».

اقتنعت دائما من خلال الدراسة والبحث والتجارب العملية فى الواقع، أن من لا يحسن قراءة الواقع لا يمكن أن يتخيل المستقبل ولا أن يتوقعه، بل وتأتى توقعاته دائما - أو فى الغالب – فى غير موضعها الصحيح. منذ منتصف يونيو 2013، والإخوان المسلمون ومؤسساتهم العديدة، يقرأون الواقع المصرى وحركة تمرد و30 يونيو، بأنها زوبعة فى فنجان، كما قرأوا الثورة ودعم الجيش لها إنقلابا، وهذه واحدة من أهم المشكلات والتحديات أمام مستقبل الإخوان المسلمين، سواء قبلهم المجتمع المصرى العام من جديد بشكل كامل أو جزئى أم لم يقبلهم. طبعا بإستثناء الإسلاميين وبعض ذويهم الذين اصطفوا مع القرابه والصلة أو الحزبية أو العصبية أو القناعة أو المروءة أو المشروع الإسلامى، أو غير ذلك. كيف سيكون المستقبل رغم إنصراف أغلبية الشعب حاليا عن الإخوان بسبب وما وقعوا فيه من عنف أو تحريض على العنف ؟

الواقع الذى نمر به فى مصر اليوم واقع مؤلم، وحصيلة أخطاء جسيم] يراها الشعب ويتعرض لنتائجها السيئة منذ 25 يناير 2013، التى إنصرف عنها السياسيون ومنهم الإسلاميون دون قيادة واضحة لها، أو بعد أن فشلوا فى إيجاد حلول لذلك الواقع المؤلم لسبب أو لآخر.

من أخطر النظرات تأثيرا فى المستقبل النظرة الجزئية، سواء كانت حزبية سياسية أو جزئية دينية، أو كانت تتمثل فى فتوى لاترى الصورة كاملة أو لاتعرف التفاصيل أو واقع ما تحتاجه الفتوى قبل الإفتاء. ولذلك لازلنا نرى فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وخصوصا فتوى تكفير المعين، كما يقول العلماء، سواء أكان هذا المعين فردا أو جماعة أو مؤسسة أو جيش أو شعب أو حكومة.

يتوقف المستقبل دائما على الأداء من كل الأطراف، ويتوقف مستقبل الإخوان المسلمين على أدائهم منذ اللحظة. هناك توقع بأن يهدأ العنف حتى يتوقف تماما وتعود الآحزاب كلها بما فى ذلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية (الدينية ) إلى ساحة التنافس السياسى، وهذا هو المنظر أو الحل الأمثل فى الوقت الحالى، طبعا سيكون ذلك بإستثناء الذين حرضوا على العنف أو وقعوا فيه، نحتاج إلى القضاء ليقول كلمته فى هذا الأمر كذلك.

هناك مستقبل أخر، وهو الأسوأ بالنسبة للدعوة والإسلاميين والأحزاب ذات المرجعية الدينية (الإسلامية) وهو الاستمرار فى التحريض على العنف من خلال الاعتصامات غير السلمية بألفاظها وشعاراتها وأكاذيبها التى ترددها والتشكيك فى نسب بعض القيادات واستمرار العنف فى سيناء وغيرها من المناطق، وهذا المنظر يحتاج إلى حسم وحزم حتى لاتتحول مصر إلى سوريا أخرى ولا إلى أفغانستان ولا إلى العراق أو الصومال. قلت سابقا وأقول اليوم لا أريد أن أرى نساءنا وأولادنا يحاولون الهرب إلى السودان أو ليبيا باعتبار الحدود المجاورة أو إلى غيرها من البلاد الأخرى كلاجئين أو مهاجرين أو مطاردين.

نحن نألم كثيرا أن يعانى السوريون والسوريات أمام المساجد فى مصر وتركيا والأردن والعراق وغيرها من البلاد، وهم يتسولون للمعيشة. وللأسف فإن الاستجابة ليست مشجعة وأحيانا غير أخلاقية. مرحباً بالمظاهرات السلمية وعلى الدولة حمايتها، أما إستخدام حتى الطوب فهو حالة عنف ستقابلها الحكومة بكل حسم وربما بقوة وربما بوحشية أحيانا والبادى أظلم. وفى ريف مصر مثل بلدى يقول: «اللى يشيل قربة مخرومة هتخر على رأسه». إن وحدة الوطن وأمنه أكبر الاولويات التى تستوجب الدفاع عنها أمام الأخطار الداخلية والخارجية.

والله الموفق