رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خسارة جولة أم خسارة دولة «2-2»


ستكمالاً لمقالنا أمس تحت نفس العنوان نؤكد على أنه قد جاء للحكم الرئيس محمد أنور السادات، وعمم التعددية السياسية تحت مسمى المنابر السياسية، بداية من عام ١٩٧٦، وتم تكوين ثلاثة منابر: اليسار ويمثله حزب التجمع الاشتراكى،

الذى تولى رئاسته خالد محيى الدين، أحد قيادات الثورة، وحزب الوفد الجديد، من القادة السياسيين قبل الثورة ممثلاً لمنبر اليمين، أما منبر الوسط، متمثلاً فى الحزب الوطنى الديمقراطى، فقد تولى الرئيس السادات رئاسته.

وفى عام ١٩٧٠ صدر قانون الأحزاب السياسية رقم ٤٠، الذى فتح الباب للتعدد الحزبى، فظهر حزب العمل الاشتراكى، وحزب الأحرار الدستوريين، وذلك جنباً إلى جنب مع الأحزاب الثلاثة السابق الإشارة إليهما.

ومع وجود الأحزاب السابق الإشارة إليها، فقد نشطت أحزاب غير مرخص بها، كالحزب الشيوعى المصرى، وأيضاً جماعة الإخوان المسلمين، والتى كان يشار إليها بالمحظورة، فكانت تهاجم أحياناً، وتصادر مطبوعاتها، ويعتقل قادتها، إلا أنها لم تختف من المشهد، ورأينا ظهورها بصورة أكثر وضوحاً وتأثيراً فى اليوم الثامن والعشرين من يناير الثورة، حيث كان عدد الأحزاب السياسية قد بلغ ٢٥ حزباً، وشجعت ثورة الخامس والعشرين، ورحيل الرئيس محمد حسنى مبارك، فارتفع عدد الأحزاب مثل حزب الكنانة برئاسة المهندس أشرف بارومة، وحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب المجد، وحزب مصر الحرة، وأبناء مصر، وحزب الرأى، وحزب التحرير، وحزب الكرامة، والحزب الليبرالى، والنهضة، والاتحاد المصرى، وشباب الثورة، والحزب الشيوعى المصرى، والحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وحزب العمال القومى المصرى.

وبعد هذا السرد المطول، أعود إلى عنوان المقال، خسارة جولة أم خسارة دولة؟

فلا ينكر أحد أن حزب الحرية والعدالة كان قد وصل إلى الحكم، وأمسك بمقاليد الحياة السياسية، ومهما يقال عن العمليات الانتخابية والدعاية لها، وتغيير المواقف فى المشاركة، وكلها أدوار معقولة ومقبولة فى اللعبة السياسية، فالسياسة كما يقال عنها لا تخلو من اللعب غير النظيف، ولا تضمن الوعود أو العهود، فهى ألعاب نارية تحرق الخصوم لتبقى الرسوم، وبناء على كل هذا وصل حزب الحرية والعدالة إلى الأغلبية فى المجلسين النيابيين، ثم إلى مقعد الرئاسة، ولست فى موقف تقييم الممارسة فى هذه المواقع، إذ أقر قادتها بأن عثرات كثيرة سببت التمرد بعد التذمر والشعور بالإخفاق، وأنا لست فى موقع التقييم للمواقع والمواقف والإنجازات، إذ لا مبرر لها الآن بعد أن وصلنا إلى ما نحن فيه.

أما الخيار الذى يبدو أمامنا، فهو إما التحارب بين أبناء الوطن الواحد، حتى يتشبث بنا المتربصون، فتصبح مصر حكاية الزمان، وتسيل دماء المصريين بيد إخوتهم المصريين، وعلى أرضهم المصرية، حتى نصبح قصة القريب والبعيد، وتضيع الفرص ومعها حياة الأبناء والبنات، وتحكى قصة مصر فى الأفلام والروايات.

أما إذا وجد من العقلاء والداعين إلى حقن الدماء، وتفويت الفرص على القريبين والبعيدين فى الشرق وفى الغرب، ولنتعلم الدرس، ونحقن الدماء، ونتنازل عن الرغبة الانتقامية، وأقرب العبر ذلك الزعيم الأفريقى الذى لا يزال ينازع الموت، ولكنه لا شك أنه راضٍ بما فعل من أجل جنوب أفريقيا، فيحترمه العالم، بل دخل قلوب شعبه وشعوب العالم، فلماذا لا يكون فى مصر نيلسون مانديلا مصر؟! حتى إن الرئيس الأمريكى يقرر السفر إلى جنوب أفريقيا لإلقاء نظرة الوداع على زعيم أفريقيا، بل الزعيم العالمى.

هل مستحيل على مصر أن يخرج منها من يتوارى لتظهر مصر، أما إذا كانت الرغبة البديلة هى الفوضى والدماء والتهديد، وكأننا فى غابة من الوحوش، مع أن الغابة لها قيمها، فلا تأكل الوحوش نفسها.

وأختم مقالى بما بدأته بالسؤال: أيهما نفضل، خسارة جولة يمكن تعويضها، أم خسارة دولة ورثنا حضارتها وشربنا من نيلها، وأصبح همنا أمنها وتقدمها وبناء مجدها، فهل تستريح ضمائرنا ونحن نراها تحترق بأيدينا، أو على الأقل برضانا؟

ليتنا نتوقف قليلاً مع كل التقدير لموقف حزب وفريق وصل إلى ما خطط له وابتغاه، ولم تكتمل فرصته، وفى المقابل مصر التى من أجلها تتوارى المنافع والمقاعد، فهل بيننا من يضع يده على الجانبين مصالحاً، فهل أناشد قيادات الجماعة، وقد سمحت الظروف أن نتواصل حتى إن بيننا كما نقول فى أوساطنا الشعبية «عيش وملح»، طبعاً بعيداً عن أى من المنافع المادية، إذ نحمد الله فقد كانت خدمتنا خالصة للوطن، حتى انتقالاتنا - حتى إلى خارج البلاد - لم نكلف ميزانية الدولة قرشاً واحداً، وسامح الله من يكيلون الاتهامات على صفحات الإعلام وغيرها.

لذا من منطلق روح العطاء والوفاء، وبسخاء أبناء ريف مصر أقول: احقنوا الدماء، وإلى الجحيم كل الكراسى والرتب، إن نقطة دم من ابن لكم أبقى من مراكز الدنيا, فقليل من التواضع والتضحية من أجل مصر، وقبل أن يحكم التاريخ على أفعالنا.. كرروا معى: خسارة جولة ولا خسارة دولة