رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جنت على نفسها براقش


قرأت مؤخراً حواراً قديماً عجيباً، أجراه الإعلامى الكبير فوزى عويس فى الأسبوع الأول من شهر نوفمبر 2009مع الأديب المؤرخ أحمد رائف «رحمه الله تعالى»، وتم نشر ذلك الحوار فى جريدة السياسة الكويتية يوم الاثنين 9 نوفمبر 2009، وأيضاً فى كتاب: منشقون عن الإخوان، كان الأخ الكريم أحمد رائف مريضاً وطريح الفراش آنذاك، ولكنه كان حاد الذاكرة ودقيق التوقع وقراءة المستقبل، وخصوصاً مستقبل الحركة الإسلامية وفى المقدمة مستقبل الإخوان المسلمين.

من توقعات الأستاذ رائف فى ذلك الوقت الحرج أن الدكتور محمد حبيب - النائب الأول لجماعة الإخوان المسلمين فى تلك الفترة - لن يصبح مرشداً عاماً للإخوان، استثناءً لما كان عليه تاريخ الإخوان المسلمين بسبب واضح بسيط، هو أن الدكتور حبيب ليس من التنظيم السرى أو الخاص داخل جماعة الإخوان المسلمين.

هذا التنظيم الضيق السرى داخل التنظيم الواسع المعروف هو المعروف بالقطبية أحياناً، وهو تنظيم تميز بالعناد وضيق الأفق الدعوى والسياسى، والشعور بالمظلومية التى لا تنتهى، وللأسف فإنه يقف ضد قطاع كبير جداً من الشعب المصرى، وليس ضد الحكومات الظالمة فقط، لأنه يرى أن الشعب المصرى لم يقف وراءه عند الصراع مع النظام الأسبق، جمعت بين أعضاء هذا التنظيم ثلاثة عوامل، وفى مقدمة تلك العوامل طريقة التفكير الضيق، والسرية القاتلة، والعلاقات الأسرية أو المادية مثل الاستثمارات أو التسهيلات الأخرى.

فى ذلك الحوار العجيب، قال الأستاذ أحمد رائف عدة إجابات مهمة ودقيقة وكأنه كان يقرأ فى كتاب مفتوح. قال: إن المجموعة الأقوى فى الإخوان المسلمين هى مجموعة 1965، وقال: إن تلك المجموعة هى الأقوى حالياً داخل الجماعة، وهى التى تمثل التيار المتطرف الذى يميل إلى التكفير، والذى له وجهة نظر فى جميع الأنشطة، وهذا هو التيار المسيطر على الجماعة، ومما قاله الأستاذ رائف أيضاً فى ذلك الحوار: إن الدكتور محمود عزت هو الذى يدير الجماعة، وهو رقم واحد فى النظام السرى الموجود داخل الجماعة، وأنه لا يطمع أن يكون مرشداً عاماً، ولكن يطمع أن يبقى هو الذى يدير الجماعة وممسكاً بكل الخيوط، ويأتى بشخص ضعيف يكون مرشداً عاماً، وأنه رئيس مباحث أمن الدعوة فى الجماعة. ثم يقول: وقد عرفنا هذه الحقيقة عندما كان مسجوناً بين عامى 1996 1998، وكان يكتب تقاريره إلى المرشد العام للإخوان آنذاك المرحوم مصطفى مشهور عن الإخوان المسجونين معه، تتضمن أقوالهم وأفعالهم ومدى التزامهم وانحرافهم عن خط الجماعة الرئيسى.

ويرى رحمه الله تعالى: أن هذه المجموعة داخل الجماعة لا تزال مستمرة وتقاريرها هى معيار التصعيد تماماً على غرار أمن الدولة التى تعد التقارير وتكون معياراً للترقيات، ثم يعلق الأستاذ رائف على هذا العمل بأنه شىء مقزز جداً، لأن المسجونين كانوا أناساً كباراً فى السن، ثم يستطرد الأستاذ رائف فى الحوار فيقول عن الإخوان المسلمين: نعم طبعاً هم طلاب سلطة، يعنى إيه أمال؟ طلاب كشرى؟ ونوع من الاستهبال قولهم بأنهم ليسوا طلاب سلطة، وطلب السلطة ليس عيباً.

كما جاء فى أقوال وردود الرجل فى ذلك الحوار رحمه الله، أن النظام يخوف أمريكا بالإخوان وأمريكا تعلم أنه لا مفر لها من التعامل مع الإخوان، وتعلم أنه فى وقت وجيز وسريع وقريب لابد لها من التعامل مع الإخوان كحكام مصر، ولخص الرجل فى الحوار مشكلة أمريكا مع الإخوان فى ثلاثة أمور هى: وضع الأقباط ووضع المرأة ومسألة الاعتراف بإسرائيل، وقال: ومنذ عشرين عاماً وهى تتفاوض مع الإخوان على هذه الأمور، وهناك جلسات استماع عقدت فى الكونجرس على هذه الخلفية.

توقع الأستاذ رائف «رحمه الله» فى ذلك الحوار العجيب فى 2009، أن يحكم الإخوان مصر خلال خمس سنوات، ولكنه لسبب أو لآخر كان يتوقع أن الإخوان الذين يحكمون مصر هم من ولدوا وتربوا وعاشوا فى الخارج، وأنهم هم القادرون على حكم مصر لأنهم من الكفاءات العالية جداً، أما الذين فى مصر فإن قدراتهم ضعيفة، كما قال الرجل.

توقع الرجل رحمه الله تعالى فى سنه 2009، أن يحكم الإخوان مصر فى مدى خمس سنوات وقد وقع هذا فى الحقيقة، وحكم الإخوان مصر وليتهم لم يقعوا فى هذا المستنقع، وليتهم فهموا النصائح التى قيلت لهم من المحبين أو حتى من الكارهين، وليتهم عملوا بها ولم يفعلوا ما فعلوه، أداروا مصر بنفس العقلية والطريقة التى أداروا بها الإخوان، فانحدروا بمصر الأم وبالدعوة الوسطية إلى مكان سحيق.

يقول العرب وقد صدقوا: «جنت على نفسها براقش» ولكن الإخوان الذين تعرضوا للظلم فى السابق، ودافع عنهم كثير من الشرفاء من خارج الإخوان، لا ينبغى أن يقولوا بأنهم تعرضوا للظلم اليوم بعد الثورة وهم فى السلطة، وعليهم أن يعترفوا بأخطائهم القاتلة، حسبة لله تعالى وبشفافية كاملة حتى لا تتعرض الأجيال القادمة التى تتصدى لحمل الدعوة إلى نفس الأخطاء، ولا أن ينقلوا أمراض القيادة الحالية إلى ميادين العمل الدعوى مستقبلاً، من المهم للتاريخ ولبناء المستقبل أن يعترف الإسلاميون بأخطائهم وفى مقدمتها أنهم فى السابق كان عداؤهم مع النظام، أما اليوم فبفضل سياساتهم الخرقاء، فإنهم فى كراهية وعداء مع أغلب فئات الشعب.

هل الصيحات العالية والتكفير يفيد شيئاً اليوم؟ هل تغير منهج الإخوان حتى يتبنوا منهج عاصم عبدالماجد وصفوت حجازى؟ كنت أتمنى ألا يترك الإخوان الثورة والثوار فى الميدان، ولا أن يركزوا أكثر على البرلمان ليأتوا إلى الحكم فيحكموا بنظام سياسى مستورد، وتحدث حوله صراعات ما لها من أساس، ودعوات لاستشهاد ليس لها من سند. هل يستشهد الإسلاميون كما تدعوهم إليه منصة رابعة العدوية، من أجل صراع على السلطة وفق نظام سياسى ديمقراطى مستورد من الخارج؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.

والله الموفق