رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسن الخلق فى السياسة


ما أجمل أن ينتشر حسن الخلق فى المجتمع فى الحاكم والمحكوم، الرجل والمرأة، الغنى والفقير، الآباء والأبناء، المعلم والطالب، صاحب العمل والعامل، المؤجر والمستأجر، وحسن خلق السلطان يشمل التحصن من فتنة السلطة التى لا ينجو منها الكثيرون،

فعليه ألا يحصن نفسه من المسئولية التى تقع على عاتقه ولا المحاسبة. وحسن الخلق يدفع إلى تقبل النصح والنقد والحرص على المال العام، وأن يكون قدوة أو إمامًا فى كل شىء قدر الاستطاعة، وتوفير ضرورات الحياة للجميع، وتأمين المجتمع حتى يدفع عنه مخاطر العدوان. وبمناسبة الحكومة الجديدة فى مصر فيطيب لى أن أهدى هذا النص إلى الرئيس والحكومة الجديدة بكامل تشكيلها والدكتور مصطفى حجازى والأستاذ أحمد المسلمانى، لعل فيه تذكرة حيث إن الذكرى تنفع المؤمنين:

« وحسن خلق السلطان يحصّنه من فتنة السلطة، فهو يوالى مباشرة التشاور، والتماس التراضى، وتوخى الإجماع فى قراراته وسياساته وخلقه، وتدفعه للتواضع تقبّلاً للنصح والنقد واتقاء للشبهات فى اغتنام الولاية على المال العام. ويجتهد بعد وقد وُضعت الأحكام المفروضة على الناس نهياً وأمراً مسئولاً عنه ألاّ يحصّن هو نفسه من المسئولية بل يقبل محاسبته وجزاءه، ولو بعقاب مضاعف لأنه أشهر وأظهر قدوة سيئة إن أساء، ولأنه إن قام قدوة حسنة يحق له الشكر من الناس المضاعف والأجر من الله المتبارك. وعليه بحركة دواوين الإدارة وعمّالها كافة أن يراعى خدمة الرعية اللازمة لضرورات حياتهم، حيثما بدت ثغرة فيها من مبادرات الأفراد والمجتمع، وأن يؤمّن المجتمع ويدفع عنه مخاطر العدوان، ويوفر له أسباب الاتصال والانتقال، ويبسط له بعض حاجات الحياة التى لا تتوافر له بمجهوداته الخاصة، ويكفل المساواة والعدل للمظلوم والكفاف للجائع، وما يلزم من العلم والصحة والمعاش لمن لا طاقة له ببلوغ حاجته. والسلطان بقضائه ينبغى أن يهيئ لكل المبتلين بالمخاصمة والمضارة والمؤاذاة، أن يبسط فى إجراءاته السعى لإصلاح ذات البين تذكيراً بالسماحة والتعافى والتراضى، وأن يرد بالحكم المظالم، ويعوض الخسران ويقضى على الجانى، بالعقوبة بحكم نافذ عاجل ناجز فيه فصل وقسط وضبط وجزاء.

والتكاليف وقضاء الحاجات فى الحياة يتناصر فيها ويتكامل الأفراد والمجتمع والسلطان. فلو حسنت خلق الفرد طلب العلم وهجر الجهل بمسعاه، وحفظ المعلومات واجتهد فأثراها وطوّرها. والمجتمع متفاعل فى العلم يتدارس ويتذاكر عبر الأعمار والقرون، والسلطان قد يضطر لبسط بعض العلوم الضرورية التى لا تعود بعاجل فيزهدها الناس، ويتوحد الحق فى العلم بالآيات الشرعية المنزلة وهديها والآيات الطبيعية المشهودة وسُننها والنظر العقلى المتجرد، ويتحد ابتغاء العلم بين النظر والعمل وبين الشرعى والطبيعى، وبين ما عند الكافر والمسلم فى الأرض. والصحة كذلك من خلق المسلم أن يتقى من أجلها العلل فى طعامه وفى صحبته وأن يلتمس العافية ليؤدى ما كتب عليه وأن يستشفى وينشد الدواء، وعلى المجتمع أن يُعنى بالعليل عيادة وشفاء وتعاونًا فى تكاليف ذلك، ويتبادل الخبرة والعلم فى الصحة والدواء وأن يتقى الخرافات فى العلاج، وعلى السلطان أن يستدرك ما ينبغى فى مكافحة الأوبئة والأمراض وأن يُؤمّن للمريض الفقير شفاءه، وأن يراقب صناعة الدواء، وأن يساوى بين الناس فى الاستشفاء والصحة.

وفى المعاش المسلم حسن الخلق والدين لا يتبرهن ولا يتزهّد حتى يجوع، بل يضرب فى الأرض ويسخّر نعم الله كاسباً حامداً لله، ولا يظلم ولا يغش بالباطل. وفى المجتمع لا تتصارع طبقات ولا ينتشر البخل والترف والاحتكار بل يُبسط التعاون والتشارك والتكافل والصدقات والأوقاف والمراقبة والمناصحة اجتناباً للتظالم والتفاضل بالمال. والسلطان يكفى المجتمع فى ثغور المعاش بفرض الزكاة والضرائب دون غلظة فى الأقدار، وقد يبادر فى الإنتاج والصناعة مبادرة قبل أن يتناول الأفراد والمجتمع الأمر ثم يفتح الأمر ميسراً لكل الناس، وعليه بأحكامه أن يضبط الأمانة فى التعامل والتعاقد لا سيما فى التأمين وإيداع المال واستثماره وفى التجارة مع الأقطار الأخرى. والانفتاح مع العالم خير فى كل شأن من الحياة: العلم والصحة والتجارة والرياضة والثقافة، فخلق المسلمين أن تمتد حياتهم ودعوتهم إلى كل العالم سلاماً وتعاوناً بلا عدوان أو قطيعة، لعل الأفراد والشعوب كافة تتواصل وتعبر الحدود والعصبية القطرية التى زرعها الضلال من الدين واتباع الهوى فى الأرض الواحدة بين بنى الإنسان الواحد».

هذا النص مأخوذ من ورقة قدمها الشيخ الدكتور حسن الترابى إلى مؤتمر علمى فى قطر منذ شهرين أو أكثر قليلاً. تستضيف قطر العديد من المؤتمرات واللقاءات التى كانت تستضيفها المملكة العربية السعودية فى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. ولعل مصر تعاود الاتصال والتواصل مع العالم الخارجى عن طريق المؤتمرات المفيدة التى تثرى الخبرات وتتراكم معها التجارب الحسنة. اخترت هذا النص لأنه مكتوب بلغة عربية رصينة ويعالج نقطة مهمة جدًا هى حسن الخلق فى السلطة، وهو نص مناسب جدًا نهديه للحكومة الجديدة فى مصر وفى أى مكان. بهذه المناسبة أقول لشيخنا الترابى أن ما حدث فى مصر يوم 3 يوليو إنما هو حماية من القوات المسلحة للثورة الشعبية العظيمة التى وقعت فى مصر بقيادة حركة تمرد، كما تدخل الجيش أيضًا من قبل لحماية ثورة 25 يناير 2011.

ومن العجيب أن كثيراً من الإسلاميين، دعموا ثورة الإنقاذ فى السودان التى قامت فى 30 يونيو 1989 وطردت الحكومة المنتخبة ديموقراطيًا آنئذ، ولا يزال البشير يحكم السودان رغم عسكريته، أما فى مصر فهناك حكومة انتقالية مدنية ورئيس مدنى حتى تتم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقعة فى غضون ستة أشهر. وأدعو شيخنا الترابى لزيارتنا فى مصر للوقوف بنفسه على آثار الثورة الشعبية العظيمة التى قادتها حركة تمرد فى 30 يونيو 2013. والله الموفق