رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفستان البنى

جريدة الدستور

كنت أنظر اليها باستنكار، لكننى فى أعماق نفسى كنت أستمتع وبشهوة بغيضة كلما مرت أمامى، جسدها الطرى يترجرج تحت فستانها البنى، أحسسته بعينى ناعمًا يهتز فى تناغم، وأنا أطيل النظر إلى ظهرها وهى تمضى فى طريقها دون أن تعرف أن عيون الذئاب تتلصص على جسمها الجميل.
تعبر أمام المقهى فى الصباح ذاهبة إلى عملها كمدرسة تربية دينية وتعود فى الثانية بعد الظهر، عرفت اسمها ووظيفتها وعنوانها من باب الفضول والثرثرة، عندما سألت صديقى فكرى عنها قال لى:
«هذه الأرملة (الفرسة) لا أنام من كثرة التفكير فيها».. وأنه يجىء كل يوم فى السابعة صباحًا ليراها وفى الثانية ظهرًا ليستمتع بالتلصص على عجيزتها وهى ترتج تحت فستانها البنى الضيق وخصرها يختنق بحزام من القماش.
قلت له:
- لماذا لا تتقدم للزواج منها ما دمت مغرمًا بها إلى حد الأرق والنوم التعيس؟.
- إنها لن تقبل بى!!
- لماذا لا تقبل؟
- هى موظفة ومتعلمة وأنا رجل جاهل.
- المرأة فى ظروف كهذه لا تبحث عن شهادة جامعية ومظهر اجتماعى كاذب، بل تحتاج إلى الأمان والحب.
قال لى وقد التمعت عيناه وبدأ التوتر يسرى فى دمه وارتعشت يده وهو يرتشف من فنجان البن رشفات متتالية بصوت مستفز:
- يعنى أتقدم لها يا أستاذ على ضمانتك؟
- الضامن هو الله.
عندما انصرف صاحبى ظللت أفكر فى الأرملة الجميلة، وشعرت برغبة ملحة لتأمل وجهها والنظر فى عينيها مباشرة، ولأننى خشيت أن أنسى هذه الرغبة قمت بضبط منبه الهاتف عند الثانية ظهرًا، ومع أول ارتعاشة للهاتف توجهت إلى المقهى.
اخترت مكانًا يكفل لى النظر إلى وجهها من أول انعطافة الشارع، لمحت عيناى إطلالتها من بعيد، حشدت كل حواسى، رأيت ابتسامتها كأن حديقة من الورود البيضاء نبتت فجأة من الأرض وهى تنتقى حبات الطماطم من عربة فؤاد على ناصية الشارع وهو يلتصق بها ويعاونها فى تعبئة الكيس دون أن ينفر جسدها عفويًا بعيدًا عن جسده، حملتْ كيس الطماطم والكرنبة واتجهتْ حيث أنتظر، عندما أصبحت على بعد أمتار منى لاحظت أننى لا أرفع عينى عن وجهها، كان وجهها جميلًا أبيض كالحليب ومستديرًا كالبدر، تورد محمرًا فى الخدين عندما حاصرتها نظراتى الخادشة، عيناها واسعتان كحيلتان وأنفها دقيق وشفتاها ممتلئتان بتناسق فاتن، كانت تنتعل حذاء «بغير كعب» كى لا تزداد طولًا على طولها الفارع. فى لفتة خاطفة نظرت إلىّ من فوق لتحت، ووقعت عيناها على حذائى، ثم رفعت وجهها ونظرت فى عينى. ابتسمت عيناى لكنها كانت واجمة جامدة لا يصدر عنها أى رد فعل، وتجاوزتنى وأكملت طريقها، شعرت بالخجل من أن أستدير وأنظر إليها من الخلف.
مضى يومى وانشغلت ونسيتها، ولكننى عندما استرخيت فى فراشى ليلا تذكرتها واستحضرها عقلى أمام عينى بكل تفاصيلها الجميلة، جرت الدماء فى العروق المتكاسلة، توهمت أننى تزوجتها وأنا أمسك يدها عبر الصالة متجهين إلى غرفة النوم، وكم أحب اللون الكحلى.
أفقتُ من أحلامى المستيقظة على شد عضلى قوى فى بطن فخذى، أثنيت أصابع قدمى باتجاه أنفى وشددت ساقى بقوة حتى ذهب توتر العضلة، سألت نفسى هل من الممكن أن أقبل بامرأة انكشفت على رجل قبلى وتقاسما الريق والأنفاس واختلطا حتى الإعياء، وكيف سينظر لى أصدقائى وأقربائى كعازب يتزوج من أرملة؟!
حاولت تجاهل التفكير فيها لكن فشلت، كان جمالها يستحوذ على خيالى ويعصرنى كعود قصب يمر ببطء فى فوهة عاصرة حديدية تسحبه إلى الداخل ولا تفلته، جذبت الوسادة من شعرها بعنف الغرام ثم انفلق الصبح!
بسرعة ولهفة كمن ينتظر موعدًا هرولت إلى المقهى جلست على الرصيف وأصبحنا خمسة رجال مصفوفين بجوار بعضنا، لم يكن صعبًا أن أكتشف أن الذى جمعنا وأيقظنا مبكرًا وجعلنا نتزاحم على الجلوس هكذا هو انتظار إشراقة الشمس، شمس الأرملة الجميلة. كانت عشرة أعين تنهش لحم المرأة وهى تمر أمامنا، وتشجع فكرى وقال:
«فرسة عاوزة خيال!!» وصبى المقهى يهز مصفاة النار بعصبية واحتراف ولا ينزع عينيه عنها ويرفع صوته «يا مصبر الوحش» وفكرى يرد عليه ساخرًا «الشراقوة عزموا القطر»، ويدخلان فى مبارزة ساخرة بالألسنة!! يمتلأ الشارع بالأقدام، تتزاحم العربات ويعلو الضجيج وآلات التنبيه، نساء وبنات يعبرن، تنتقل الأعين هنا وهناك، دون أن تفقد تركيزها الحميم مع صاحبة الفستان البنى. كل واحد منهم يحلم بالارتباط بها دون أن يتجرأ على التقدم لخطبتها، أنا بينهم الأعزب الأكثر ترددًا، تفاصيلها تجذبنى إليها بقوة، أتحير فى مشاعرى نحوها هل يكفى انبهارى بجمالها الجسدى لفتح بيت جديد، هل يمكن أن نبقى معًا بعدما تنتهى اللذة ويبرد وهج الغرام، حاجز عظيم بداخلى يعوقنى عن تقبل الفكرة، انا أريد فتاة عذراء، ناقوس مزعج يدق فى رأسى «عذراء» تحرقنى الكلمة لكن رغبتى فيها تحرقنى أكثر!!
رأيتها صباح وظهيرة الأسبوع كله، كان فستانها البنى الضيق لغزًا محيرًا بالنسبة لى، فى الأحد التالى لم تظهر المرأة فى الصباح، انقضى الأسبوع ولم يرها أحد، وعندما امتلأ المقهى بالزبائن بعد صلاة الجمعة، كانت التهانى تنهمر على «فؤاد»، لم يخطر ببال أحد منّا أن ابتسامات الأرملة لفؤاد وتجاذب أطراف الحديث معه وهى تشترى الخضروات أثناء عودتها من المدرسة ستنتهى هذه النهاية. عندما سألت فكرى واهما نفسى أن ما فهمته خطأ، أكد لى أن فؤاد تزوج الأرملة وقضيا أسبوع العسل الأول!! اتسعت عيناى وأنا مستغرق فى دهشة خانقة وسألت صديقى كيف قبلت هذه المرأة الجميلة برجل كفؤاد بائع الخضار الجوال فى شوارع المدينة على باب الله!
عندئذ تدخل العجوز عم رفعت فى الحديث وهو ينفخ دخان المعسل ويكح قائلا:
«هى تطول؟ دى مدرسة (كحيانة) مفيش حيلتها إلا الفستان البنى الضيق اللى بتجننكم بيه كل يوم، وعايشة فى بيت أخوها ومراته سقياها الذل!! وفؤاد شاب لسه بدمه، خلقته حلوة ودمه خفيف وعنده شقته وما دخلش دنيا، وبيعرف يفك الخط!!».
نظرت لشفاه عم رفعت بغيظ وسألته: كيف تعرف كل هذه التفاصيل؟، فنظر لى بثقة وأخبرنى أن البيت أمام البيت وأنها زميلة ابنته! قلت فى نفسى عجوز مفضوح وشعرت بالندم على ضياع هذه الجوهرة من يدى لأسباب تافهة بداخلى!!.