رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء.. والدرس الذى لن نتعمله!


لن أضيف جديداً إذا تحدثت عما يمثله حادث خطف الجنود السبعة من تحد للدولة المصرية وهيبتها وقدرتها على بسط نفوذها على شبه جزيرة سيناء، فالقضية اليوم تتجاوز ما هو متوافر من معلومات لدى الجميع، لترقى إلى الحد الذى يشير إلى فشل حقيقى

فى إدارة أزمة ليست طارئة، وليست مفاجئة، ولا يمكن التعامل معها بطريقة الهواة والتطمينات الخالية من أى معنى كتلك التى أطلقها رئيس الوزراء منذ يومين ووعد فيها بسرعة إطلاق سراح الجنود المختطفين، إذ إن رئيس الوزراء وعد بما لا يملك، وربما كان يعد بما لا يعلم أبعاده، ثم جاءت الدعوة التى وجهتها مؤسسة الرئاسة للحوار مع الأحزاب والقوى السياسية فى مشهد يعيد للأذهان جلسات الحوار الوطنى رغم أن القضية ليست من تلك النوعية التى تحتمل هذا الحوار السياسى، وكنت أتوقع أن يدعو الرئيس محمد مرسى لاجتماع عاجل لمجلس الدفاع الوطنى المنصوص عليه بالمادة 197 بالدستور لبحث سبل التعامل الأمثل مع هذه الجريمة النكراء وخاصة بعد مقطع الفيديو الذى تم بثه مؤخراً للجنود المختطفين ويطلبون فيه من الرئيس ووزير الدفاع التدخل لإنقاذ حياتهم فى مشهد عبثى يذكرنا بما شهدته العراق بعد الغزو الأمريكى فى 2003، حين كنا نشاهد يومياً عشرات المقاطع المماثلة لرهائن أجانب محتجزين على أيدى عناصر تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين يستغيثون فيها بحكومات بلادهم من أجل سحب قواتها من العراق.

أعتقد أن مشهداً مثل هذا يدفعنا لأن نأخذ الأمر على محمل مختلف، والمؤكد أن حادث الخميس 16 مايو 2013 لم يكن الأول ولن يكون الأخير طالما تركنا سيناء مرتعا للتنظيمات الجهادية والعناصر التكفيرية التى ما كان يجب من البداية الدخول معها فى عملية تفاوض تمثل إهانة حقيقية للدولة المصرية، ثم على أى شىء تجرى المفاوضات؟ المعلومات المؤكدة تشير إلى أن عملية اختطاف الجنود السبعة تستهدف الضغط على الدولة من أجل إطلاق سراح عدد من المحكوم عليهم فى حادث تفجير قسم ثانى العريش فى 29 يونيو 2011، ومن ضمن الأهداف المطلوبة أيضا إطلاق سراح نحو 21 شخصا معتقلا على خلفية تورطهم أو وجود معلومات لديهم عن حادث رفح الذى وقع فى شهر رمضان الماضى.. إذن المطلوب معروف جيدا.. فهل كان لدى الدولة استعداد للدخول فى حلول وسط من خلال التفاوض فى تلك القضايا التى تمس أمن وسلامة البلاد؟

ألف باء سياسة يقول إن التفاوض يكون فى المسائل القابلة لتقديم بعض التنازلات.. فهل كان لدى الدولة استعداد لكى تتفاوض على كل أو جزء من سيادتها وأمنها؟

لا شك أن إراقة دماء أى إنسان أياً كانت هويته أمر مرفوض، ونتمنى أن تنتهى عملية تحرير الجنود الرهائن بأقل قدر من الخسائر البشرية، إن لم يكن بلا خسائر على الإطلاق، ولكن يبقى التقدير السليم للأزمة.. حجمها وسبل التعامل معها.. هو المفتاح الرئيسى لحلها.. والمؤكد أننا افتقدنا لهذا التقدير العلمى منذ البداية فى التعامل مع تلك المشكلة.. ولو استمر الأمر على هذا النحو فلن يكون حادث خطف الجنود السبعة هو الأخير.. وستبقى سيناء أكبر نموذج للدرس الذى لن نتعلمه.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.