رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السولار الذكى.. والسياسة الغبية!


ستبقى مشكلة هذه الحكومة وكل الحكومات التى سبقتها والتى ستأتى بعدها فى التعامل مع قضية الدعم تكمن فى أن كل ما تفعله يبقى بعيدًا عن أصل المشكلة وأن كل ما تبذله من جهود ليس إلا إلتفافًا عليها دون مواجهتها.

وأصل المشكلة كما أراه ويراه خبراء الاقتصاد هو أن أى سلعة فى الدنيا يجب أن يكون لها سعر واحد تباع به، فإذا أصبح للسلعة سعران فهذا يعنى ببساطة فتح نافذة واسعة للسرقة ونهب المال العام، وأوضح وأبرز مثال على ذلك «رغيف الخبز» الذى تحول إلى «محرقة» حقيقية للمال العام، إذ إنه لا معنى لأن يتم بيع الرغيف بخمسة قروش فى حين أن تكلفته الفعلية 35 قرشًا، وبالتالى فإن فارق الثلاثين قرشًا هذا أصبح ملعبًا واسعًا للتربح حيث يستخدم الرغيف كمصدر تغذية رخيص للمواشى والطيور. نفس الأمر نراه وإن كان بصورة أقل حدة فى المواد البترولية التى يتكلف إنتاجها سعرًا وتباع بسعر آخر يتناسب مع ظروف الناس ومستواهم الاقتصادى.

أعتقد أن ما أعلنه المهندس طارق البرقطاوى - وكيل أول وزارة البترول - عن تطبيق نظام الكروت الذكية لتوزيع السولار بدءًا من شهر يوليو القادم والبنزين اعتبارًا من أغسطس لن يقدم أى حل لأصل مشكلة دعم المواد البترولية والذى يصل إلى 115 مليار جنيه سنويًا.

وكيل الوزارة قال فى تصريحات نشرتها الزميلة الأخبار بتاريخ 14 مايو2013 إنه لن تكون هناك كميات محددة من لترات السولار والبنزين بنظام الكارت، وأن الهدف من تلك المنظومة وقف عمليات التهريب وليس تخفيض الكميات للمواطنين.. ومن جانبى أقول إن هذا «الكارت الذكى» لن يحل المشكلة إذا استمرت نفس السياسات الغبية لأكثر من سبب:

أولاً: إن هناك إستحالة عملية فى التطبيق لتعميم هذه التجربة على كل منافذ توزيع المواد البترولية والتى ليست بالضرورة محطات بنزين وربما تكون حجرة فى شقة أو دورًا أرضيًا فى أى مبنى.

ثانيا: إن عمليات التعبئة فى «جراكن» ما زالت مستمرة، وطالما أن الكارت الذكى لن تكون من مهامه ضبط الكميات المنصرفة، إذن يستطيع أصحاب سيارات المدارس واليخوت بل وحتى الهيئات الدبلوماسية الحصول على ما يريدونه من السوق السوداء التى ستنتعش أكثر لأن هذا الكارت سيضفى عليها جاذبية ورونقًا خاصًا يزيد من قدرها باعتبار أن كل ممنوع مرغوب، والممنوع هنا هو ممنوع نظريًا دون وجود أى آلية لمواجهته، ومن كان يحصل على جنيه فى السوق السوداء قبل الكارت سيحصل على جنيهين بعد الكارت.

ثالثًا: لا يوجد تشريع يغلظ عقوبات تهريب المواد البترولية، وأعتقد أنه لو كانت الحكومة جادة لاستصدرت تشريعًا يعاقب المهربين بمصادرة ما بحوزتهم من مواد وتغريمهم بمثلها، مع مصادرة السيارة المستخدمة.

رابعًا: إن القضية تتجاوز سيارات المدارس واليخوت حيث إن جانبًا كبيرًا من السولار والبنزين المهرب يذهب إلى غزة عبر الأنفاق، ولنا أن نتخيل بنزين 80 الذى يبلغ سعره 90 قرشًا للتر يباع هناك بـ2 دولار أى ما يتجاوز 14 جنيهًا.. فأى مكسب هذا؟!

لا كارت ذكى سيتصدى لهذه المشكلة طالما أن السياسات المتبعة «غبية».. والحل الحقيقى والوحيد «القانون» الذى يحقق الردع المجتمعى لمن يستحل أموال هذا الشعب.