رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تضيع حقوق الشهداء والقتلى لفساد الإجراءات؟


استمعت إلى شرح قانونى عبر التلفاز بقناة الجزيرة، أثناء محاكمة الرئيس المخلوع وبقية المتهمين معه يوم السبت 11 مايو 2013 أمام محكمة جنايات القاهرة، فى جنايتى قتل المتظاهرين خلال الفترة من 25-31 يناير 2011، وجريمة الاستيلاء على المال العام.

تطرق التحليل أيضاً إلى الإجراءات فى القضية المعروفة بموقعة الجمل، التى حصل المتهمون فيها جميعاً على البراءة، وتأخر الطعن على الحكم يومين بعد الوقت المحدد، لأن أسباب الحكم لم تودع خلال المدة القانونية المتاحة للطعن على الحكم، واتضح أن المحكمة ليست مجبرة على أن تودع الحكم فى حالة البراءة فى تلك المدة الزمنية لقبول الطعن، ولكنها مجبرة أن تودع الحكم بأسبابه وحيثياته فى المحكمة للاطلاع عليه، فى حالة الإدانة فقط.

ما حدث فى شأن محاكمة المتهمين فى موقعة الجمل كان سبباً ولو مؤقتاً فى ضياع المسئولية، بشأن تلك الموقعة، وذلك بتبرئة كل المتهمين لعدم كفاية الأدلة وتأخر وصول الطعن من النيابة. إذن هناك قصور فى الإجراءات، والقصور هنا يعنى براءة المتهمين فى موقعة كارثية راها العالم كله مثل موقعة الجمل. فالنيابة كما جاء فى التحليل قامت بما ينبغى عليها من الطعن على الحكم بعد الاطلاع على أسبابه وحيثياته، ذلك الحكم الذى أودعته المحكمة بعد المدة الزمنية المحددة لقبول الطعن، ولم تكن المحكمة ملزمة أن تودعها فى وقت محدد، إلا إذا كان الحكم بالإدانة وليس بالبراءة كما كان فى هذه القضية.

هذا القصور، من يتحمل نتيجته؟ هل يتحمل نتيجته أهالى الشهداء والجرحى؟ ولماذا لم يتنبه إليه المشرعون ورجال القضاء بشتى فروعه وأنواعه ومؤسساته، عبر عقود زمنية طويلة؟ وهل هذا الواقع بتلك الإجراءات المعيبة يحقق العدل المطلوب الذى نتغنى به جميعاً؟ وإذا كان هناك قصور فى قضايا تتعلق بالدماء أو الأموال أو الأعراض، فكيف تتم معالجة ذلك وصولاً إلى العدل خصوصاً فى عصر ما بعد الثورة، وتحت حكم الإسلاميين؟ وكيف يتفق هذا مع الدستور الجديد، الذى تغنى به الإسلاميون وقال بعضهم عنه: أعظم دستور لأعظم شعب؟

أسئلة كثيرة تدور فى الذهن، لن تغنى الإجابة عنها مهما كانت فى إعادة الحقوق إلى أصحابها، ولا فى وضع الأمور فى نصابها. لنعود إلى الحاكم المسلم فى صدر دولة الإسلام الذى لم يكن لديه دستور مكتوب مثل دستورنا، إلا القرآن الكريم والسنة النبوية، ولم تكن لديه مدارس وكليات ومعاهد إسلامية مثل التى فى زماننا، ولا أزهر مثل الذى فى عصرنا، وهى المدارس والجامعات التى تضم كليات شريعة وقانون وأصول الدين. لنرى ماذا يقول ويعمل ذلك الحاكم الرشيد حتى يحقق العدالة، و ما مبعث ذلك.

أما مبعث ذلك فيعود إلى الخشية من الله، ويعود إلى التقوى وحفظ الحقوق أو ردها لأصحابها حتى دون طلب منهم لإقامة العدل. ذلك الحاكم هو الفاروق رضى الله عنه وأرضاه لنتعلم منه جميعاً وهو يقول: والله لو تعثرت بغلة بالشام أو (العراق) لكان عمر مسئولاً عنها، لما لم تسو لها الطريق يا عمر؟ الباعث فى داخل النفس هو الفهم الواضح، حتى تكون المسئولية عنده واضحة وملزمة ولا مهرب منها، حتى فيما يتعلق بالحيوانات(البغلة). وهذا أيضاً سيدنا عمر بن الخطاب نفسه رضى الله عنه وأرضاه، الذى انتقل، حقاً بفهمه الإسلام فى مدرسة النبوة، انتقل، من جاهلية جهلاء إلى البحث عن قمة العدل والإحسان والتواضع والبساطة. هذا هو سيدنا عمر وهو يكتب إلى عامله(أبى موسى الأشعرى): « لا يمنعنك قضاء قضيته ، ثم راجعت فيه نفسك ، فهديت لرشدك أن تقضيه ، فإن الحق قديم لا ينقضه شىء ، والرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل». القصور فى الإجراءات من الباطل الذى يجب الرجوع عنه فى أسرع وقت ممكن لأنه يضيع الحقوق.

الشعور بالعدالة ضعيف عند بعضهم، وقد مات عند البعض الآخر، رغم خطورة ضياع العدالة فى الدنيا والآخرة. ضياع العدالة فى الدنيا يعنى فى الغالب، زيادة الكراهية للحكام والمؤسسات المعنية ولمن ارتكب المظالم، وخصوصاً إذا حصل على براءة، ويعنى كذلك الدعاء عليهم، ويعنى اللعنة من الله تعالى كما جاء فى القول المشهور فى الدنيا وصولاً إلى الآخرة. والله سبحانه وتعالى أعلم بمدى خطورة عقوبة اللعنة لمن يظنون أنهم يراعون ويطبقون نصوص الدستور أو القوانين. «لعن الله قوماً ضاع الحق بينهم». فاللعنة قد تشمل الجميع إذا ضاع الحق. أما الحديث القدسى فيقول: يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا». ويقول القرآن الكريم «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» بين الناس يعنى كل الناس المسلم وغير المسلم، الكبير والصغير، الرجل والمرأة، الإسلامى والعالمانى والليبرالى، السنى والشيعى الحكم بالعدل للمستحق واجب وإن كان الحاكم يكرهه. وكما نقرأ فى القرآن الكريم «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى».

هل هناك من يتعظ؟ هل هناك من يدرك؟ هل هناك من يسعى لتحقيق العدل بين الجميع؟ هل هناك من يسعى لتطبيق روح العدالة وتطبيق الدستور الحق، ألا وهو القرآن الكريم مع الحفاظ على العدل الكامل والوسطية فى الفهم؟ هل يمكن أن نفهم فهماً سليماً ونطبق بحق قوله تعالى«إن الله يأمر بالعدل»، وكذلك قوله تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً».

هل هناك من ينكر أن مبارك كان رئيساً لمصر فى ذلك اليوم المشئوم؟ وهل هناك من ينكر أن مسئوليات الرئيس وحكومته أن يحفظ الأمن، ويحافظ على الأرواح، ويتتبع المجرمين إذا حاولوا الهرب؟ هذا هو الدليل لمن يريد العدل.

والله الموفق