رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا وضرب العمق الاستراتيجى لمصر


ضرب الزلزال السياسى منطقة الخليج العربى يوم الإثنين ٥ يونيو ٢٠١٧، فامتد تأثيره إلى المسرح السياسى العالمى، وذلك بقرار صدر من ثلاث دول خليجية هى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية ومملكة البحرين، بالإضافة إلى أكبر دولة عربية هى مصر، بقطع العلاقات مع دولة قطر، فجاء القرار مفاجئًا وحادًا، وذلك بسبب التآمر القطرى على الدول العربية، وبشكل خاص الدول الأربع، وتمويل الإرهاب فى عدد من دول العالم، ودعم النظام الإيرانى والإخوان المسلمين.
لقد تم إلغاء الرحلات الجوية إلى قطر، وحظر السفن القطرية من الرسو فى موانئ الدول الأربع، وإخراج المواطنين القطريين من أراضى هذه الدول، كما تضامنت معها جزر المالديف وليبيا واليمن، إذ قامت بمقاطعة قطر التى تمثل لسانًا يمتد داخل الخليج هو أشبه بالزائدة الدودية، لكنه يمتلك كمية وافرة من الغاز والنفط.
قطر حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، وتستضيف مقر القيادة المركزية للجيش الأمريكى فى المنطقة، ومع هذا فإن الإدارة الأمريكية تدعم وجهة نظر الدول المقاطعة فى وجوب إيقاف قطر عن دعم الإرهاب، والتوقف عن زعزعة الاستقرار فى المنطقة وعلاقتها مع إيران.
لم يكن متوقعًا أن تقوم المملكة العربية السعودية بالتضامن مع هذه الدول، لأنها كانت تسعى على الدوام لوحدة الصف الخليجى، والعربى، والإسلامى، ولكن الكيل طفح، وكان لا بد من الحزم فى مواجهة العبث السياسى، بالتضامن مع باقى الدول، لعل ذلك يرغم قطر على التوقف عن هذه الممارسات، ففى الوقت الذى كانت فيه دول الخليج تتحلى بالصبر والترقب لما تقوم به قطر، كانت مصر تعانى من الهجوم الإعلامى القطرى، والتحريض على العنف والإرهاب فى مصر، ودعم الإخوان المسلمين التى احتسبت العديد من الدول أنها منظمة إرهابية، وكاد الرئيس الأمريكى ترامب يصنفها إرهابية، لكن الملك عبدالله الثانى كره التعميم، وطلب من الرئيس الأمريكى التريث فى التصنيف، لأن معظم أعضاء البرلمان فى الأردن من الإخوان.
يعتقد الكثير أن ما يجرى هو تنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران، وأن المملكة تتزعم الفريق السنى، وإيران تتزعم الفريق الشيعى، وهذا التوصيف عارٍ من الصحة، لأن المملكة لا تنافس إيران، وليست منحازة إلى السنة ضد الشيعة، ولا تسعى إلى مد النفوذ خارج حدودها، لكنها تقف فى وجه المخططات الإيرانية التى تستهدف السيطرة على الأمة العربية.
فعندما صرح مسئول فى إيران بأن إيران استولت على أربع عواصم عربية، انطلقت المملكة مع حلفائها لإيقاف المد الإيرانى فى اليمن، وإعطاء الفرصة للشعب اليمنى والسلطة الشرعية، أن تسقط هذا الادعاء، فتحالفت المملكة ودعمت الشرعية اليمنية وحولت إيران من الهجوم إلى الدفاع، ثم إلى التراجع فى اليمن، وأسقطت القناع عن إيران، وتبين أنها لا تستطيع أن تهاجم المملكة أو أن تتدخل فى اليمن بشكل مباشر، ولا حتى إنزال طائرة واحدة فى مطار صنعاء.
لقد فقدت دول الخليج الثلاث، صبرها الاستراتيجى، بعد أن وعدت قطر أن تقلع عن عبثها وتعهدت بذلك، لكنها ظلت تتحرك فى الخفاء، وبلغ بها أن أعطت الإحداثيات لموقع القوات الإماراتية فى اليمن للحوثيين، فقتلوا العشرات من جنود الإمارات العربية.
إن أشد ما تعانيه قطر من الوضع الجغرافى مع المملكة، التى تحيط بكل جوانبها البرية، فتسببت المقاطعة فى توقف ٤٠٪ من إمدادات الغذاء التى تصل إلى قطر، كما أن المقاطعة سوف تحرم قطر من استضافة كأس كرة القدم العالمية، لأن الفيفا سوف تعتبر البلاد خطيرة وغير مأمونة.
لقد أصبحت قطر مصدر إحباط لدول مجلس التعاون والدول العربية، بسبب دعمها للإرهاب وتآمرها على الدول العربية وقادتها، وظلت تنفث الأحقاد من خلال قناة الجزيرة، وقنوات الإخوان خاصة من تركيا، حتى إن الشعب السعودى لم يعد ينظر إلى تركيا كدولة صديقة، كما أن قطر أصبحت الممول الرئيسى للإخوان المسلمين الذين أصبحوا يسيطرون على مفاصل القرار فيها.
لقد كشفت المقاطعة العلاقة الخفية بين قطر وإيران، ففى شهر يوليو ٢٠١٧ وصف الشيخ تميم بن حمد آل ثانى طهران بقوة إسلامية لا يمكن تجاهلها، وقال إنه لا يجب مواجهتها، كما كشفت المقاطعة دعم قطر للحوثيين ضد المملكة العربية السعودية ودول التحالف، فذهب الإعلام القطرى يردد تصريحات الحوثيين، وينتقد دول التحالف، ويدعمها بالمال والمعلومات.
أما تركيا فهى تحرص على عدم إزعاج المملكة، بل تسعى إلى تطوير العلاقات الحسنة معها، لكنها تستضيف قنوات للإخوان التى تبث سمومها ضد المملكة، ومصر والدول المكافحة للإرهاب، ما يثير التساؤل: هل تركيا صديقة أم لا؟، فإذا كانت تركيا تتذرع بحرية الصحافة، ألا تفرق بين حرية الصحافة وحرية السفاهة؟ وهل تسمح للدول العربية بأن تفتح قنوات لديها تهاجم قطر؟.
إن المكائد من تركيا لم تأتِ من قنوات الإخوان فحسب، بل أيضًا من الإعلام التركى فى شكل افتراءات وأكاذيب، فقد نشرت مجلة «جارتشيك حياة» فى ٢٥ ديسمبر ٢٠١٧ أن تركيا منعت الانقلاب الذى دبرته السعودية والإمارات ضد قطر ليلة ٥ يونيو، وتضمن تقريرها مزاعم باطلة ضد المملكة، فتناقلتها وسائل الإعلام التركية مثل صحيفة «بنى شفق» و«ويلى صباح»، لكن السفارة السعودية فى أنقرة كذبت هذا الخبر، فهل تلعب تركيا نفس الدور الذى كانت تلعبه قطر قبل المقاطعة؟.
إذا لعبت قطر دور المخادع والمراوغ، فقد يكون لها العذر لأنها دولة صغيرة، تنبع قيمتها من الغاز والنفط الذى تنتجه، أما تركيا فهى دولة كبيرة ولها مكانتها التاريخية والحضارية، وكم كنت أتمنى ألا يتورط الرئيس أردوغان فى مشادات كلامية مع وزير خارجية الإمارات، والقيام بأعمال أقل من مستواه مثل رفع إشارة رابعة ثلاث مرات فى مناسبة الاتفاق على استلام جزيرة سواكن السودانية، فهل هدف التحرك التركى فى إفريقيا خاصة الصومال والسودان هو ضرب العمق الاستراتيجى لمصر؟.. لقد قال لى قائدى عندما كنت فى القوات المسلحة «إن الكبير هو من يهتم بالعقد الكبيرة، فإذا أردت أن تكون كبيرًا، فلا تعمد إلى العقد الصغيرة لتتعامل معها».