رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تجريم الدروس الخصوصية هو الحل؟


طالعت عن كثب الشروع فى قانون يجرم الدروس الخصوصية، ولما كانت لى تجربة شخصية فى هذا المجال ونجحت نجاحًا شهد له المسئولون عن التعليم فى حينها، قال السيد وزير التعليم، فى اجتماع عام، بعد أن قدمت موجزًا عن التجربة دون ذكر لاسم المدرسة، قال «إنها تجربة تستحق الدرس»، وحتى تعم الفائدة قبل إصدار قوانين دون إعداد ومعالجة للموضوع من كل نواحيه أشارك بالتجربة عسى أنها تفيد قبل وضع قوانين يكتب لها الفشل منذ بدايتها.. وقبل الحديث عن تقنين الأمر كانت التجربة بمدرسة واحدة بين عشرات المدارس، التى شرفت بقيادتها ردحا من الزمن. فى مدرسة جديدة قصد منها وضع النموذج الحى أمام باقى المدارس بدأت بالآتى:
تدريب عدد من راغبى العمل بالتدريس قبل افتتاح المدرسة بعدة شهور، كان التدريب بالمجان دون التزام بالتعيين إلا للعدد المطلوب، على أن يستفيد الباقى من إيجاد فرص لهم فى مواقع أخرى، واستمر التدريب لخمسة وأربعين يوما فى ساعات ما بعد الظهر حتى لا يفقد أى من المتدربين أعمالهم الحالية بالنسبة للعاملين.. وهذا أولًا.
٢- تمت الاستعانة بأساتذة تربويين للمشاركة فى المحاضرات.
٣-أجريت اختبارات على مراحل أثناء التدريب.
٤- تم التعاقد مع من وقع عليهم الاختيار، وكانت أهم الشروط أنه لا مكان لمعلم يعطى دروسا خاصة.
٥- افتتحت المدرسة، وكانت كثافة الفصل ثلاثين تلميذا، ولا يتم تجاوز العدد مهما كانت الضغوط أو المحاولات، وفى القسم الدولى كان العدد خمسة وعشرين طفلا لا غير.. بداية الراتب فى ذلك التاريخ ثلاثة أضعاف البداية الرسمية، وفق القوانين السائدة، والعلاوة الدورية عشرة أمثال العلاوة الحكومية «خمسون جنيهًا عندما كانت العلاوة الرسمية خمسة جنيهات».
٦- ساعات العمل لليوم الكامل فى جميع المراحل.
٧- من يثبت إعطاؤه دروسا خصوصية يفصل من العمل فورا، وقد وقع على هذا البند كل من التحق بالعمل بهذه المدرسة، «فى مدة أكثر من عشر سنوات للمدرسة فصل مدرس واحد فى ذات اليوم الذى وجدت فيه ورقة بخط المدرس فى درس خاص، ولم تتكرر طوال مرحلة طويلة من الزمن».
٨- شكلت بالمدرسة جمعية تعليمية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، أعضاؤها من الآباء ونسبة قليلة من العاملين بالمدرسة، يدفع كل ولى أمر رسما سنويا قدره مائة جنيه فى السنة، تخصص هذه الحصيلة لصرف مكافآت للمعلمين الذين يقومون بتقوية تلاميذهم فى غير مواعيد الدراسة، وفق تقييم الامتحانات الشهرية، ولمن يحصل على أقل من سبعين فى المائة من الدرجة يلحق بفصول التقوية ويدفع للمعلم مكافأة عن كل ساعة عمل من صندوق الجمعية وليس من أولياء الأمور.
واستمرت التجربة لسنين عديدة، وللأسف كان الفشل بعد سنين طويلة من الجهات الرسمية التى فتحت باب التجاوز عن أعداد المقبولين بالفصول، حتى ارتفعت من ثلاثين تلميذا إلى نحو خمسين، وفى القسم الدولى من خمسة وعشرين إلى نحو أربعين، كما علمت، وتوقف عمل الجمعية التى كانت تساعد التلاميذ وتكافئ المعلمين والإداريين. وكما علمت- للأسف- أن التجربة انتهت والدروس الخصوصية فتحت على مصراعيها وتوقف عمل الجمعية، وقد يكون بها رصيد من حصيلة التجربة مودع بالبنك، حيث كان ولى الأمر يسدد الرسم السنوى فى البنك مباشرة.
أما التشجيع للحفاظ على الأيدى العاملة حتى لا تغريها عروض جهات أخرى، فتمثل فى أن المعلم أو المعلمة الذى يقضى عشر سنوات على الأقل يتقاضى مكافأة تعادل راتب شهر عن كل سنة، مما حال دون تجربة الإغراء بمدارس أخرى تسمح بالجمع بين التدريس بالفصول وبالمنازل، وبعدها القاعات التعليمية التى يلتحق بها الآلاف من التلاميذ على مرأى ومسمع من الجميع.. والأمر الذى يطرح نفسه قبل سن قوانين قد يستحيل تطبيقها فى ضوء الظروف الآنية ما لم يعد النظر فى الأمور التالية:
١- فصول تعليمية محدودة الكثافة، مما يلزم بناء ربما أضعاف الأبنية الحالية.
٢- تدريب المعلمين على التجربة فى ضوء رفع الرواتب ربما أضعاف الأجور الحالية.
٣- تغيير جذرى للمناهج ونظم الامتحانات التى تقوم على الحفظ أكثر من الفهم.
٤- ساعات الدراسة تصبح لليوم الكامل، وهذا معناه لا مجال لفترتين فى اليوم كما هو الحال اليوم.
٥- الحكومة وحدها لا تستطيع أن تقوم بكل هذا، وعلى المجتمع أن يبادر- كما كان فى الزمان الماضى- بإقامة مدارس يكفلها الأغنياء ولا يمتلكونها، ولكن تديرها الدولة، ويمكن إطلاق اسم المتبرع على المدرسة التى أنشأها.. تلك هى بعض الملاحظات من الكثير الذى لا يسمح به لا الوقت أو المساحة.