رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعونا نتعلم


عندما حلف فرانكلين روزفلت اليمين لأول مرة فى 4 مارس 1933 كان عدد المتعطلين عن العمل خمسة عشر مليونًا وملايين أخرى تأثروا بأزمة البنوك التى خرجت من سوق المال ولم يضيِّع روزفلت الوقت، إذ وضع برنامجاً اقتصادياً عنيفاً أطلق عليه «العرض الجديد»

وبموجب هذا القانون أنشأ الاتحاد التأمينى الفيدرالى والمسمى FDIC أو «فيدك» النظام الذى بموجبه صار الاتحاد الفيدرالى خاضعاً لودائع المواطنين بالبنك وليست البنوك ذاتها الضامن، ثم أعطى المزارعين الحق فى إعادة جدولة قروضهم.

ثم قام روزفلت بتأسيس ما عرف ببرنامج الأشغال العامة بما فى ذلك الادارة العامة لتقدم الأعمال ونظام التأمين الاجتماعى مع تحديد الحد الأدنى للأجور ومنع تشغيل الأطفال، حيث بدأت هذه الظاهرة فى الانتشار خاصة فى المناجم والمصانع، وتحديد ساعات العمل بأربعين ساعة أسبوعياً، وما زاد على ذلك فبأجر إضافى، وكان لهذه الإجراءات الحادة والمتسارعة الأثر فى تجديد انتخابه بسهولة فى عام 1936 بهزيمة الحزب الجمهورى، صحيح أن دورته الثانية لم تكن بقوة النجاح الذى حققه فى الدورة الأولى، إلا أن المحكمة العليا قد وضعت بعض المواد التى لا تتدخل فى الدستور، واستجابت لدعوة الرئيس بعدم إحالة القضاة عند سن السبعين للتقاعد، إلا أن الكونجرس رفض الموافقة على هذا القانون الذى وضعته المحكمة العليا.

وفى ذات الوقت بدأت الحركة الفاشية التوسع فى أوروبا وآسيا بظهور أدولف هتلر فى ألمانيا وفى إيطاليا بنيتو موسولينى، وكليهما تضامنا فى هزيمة بلاد أخرى مثل اثيوبيا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا، ولم يستطع روزفلت التجاوب مع الاستغاثة الموجهة من أوروبا وآسيا.

إلا أن الكونجرس رفع القيد عن الرئيس لبعض الشىء بإصدار بعض التشريعات التى تعطى الرئيس مجال للتجاوب المحدود جداً لمواجهة الإرهاب الدولى الممثل بالحرب العالمية الثانية 1939، عندما غزا هتلر بولندا ولم يمر أكثر من تسعة شهور إلا وسقطت كل أوروبا الغربية مستسلمة لهتلر، وظلت بريطانيا العظمى وحيدة فى الدفاع .

وأراد روزفلت أن يساعد بريطانيا ولكن بهدوء وحذر، وبدأ يمدها بخمسين مدمرة قديمة مقابل قواعد لأمريكا على الساحل الجنوبى، ثم بدأ روزفلت فى إيجاد وسائل أكثر فاعلية، مما جعل أمريكا تجدد لروزفلت دورة ثالثة على غير المألوف، إذ فاز فى نوفمبر 1940 بالدورة الثالثة بهزيمة الجمهوريين بأغلبية مريحة سهلة.

وتلا هذا النجاح إصدار قوانين أكثر شدة لمعاونة بريطانيا ببرنامج الدفع المؤخر، وبموجب ذلك القانون تستطيع بريطانيا شراء الأسلحة على أن تدفع أثمانها بعد نهاية الحرب، وأجيز القانون من الكونجرس، ثم تمت معاملة روسيا بذات المعاملة طبقاً للقانون الجديد حتى تستطيع مواجهة هتلر الذى بدأ فى غزو روسيا فى منتصف عام 1941، وفى شهر أغسطس من ذات العام التقى روزفلت مع ونستن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا لأول مرة ومعاً وضعا خارطة الأطلنطى.

وفى السابع من ديسمبر 1941 هاجمت اليابان ميناء بيرل (بيرل هاربور) حيث دمرت جزءاً كبيراً من الأسطول الأمريكى من جانب الباسيفيك (المحيط الهادى)، وفى اليوم التالى لهجمة اليابان أعلن روزفلت الحرب على اليابان ونادى بيوم السابع من ديسمبر اليوم الذى لن ينسى، ولم تواجه أمريكا اليابان وحدها، بل كانت ألمانيا أيضاً، وتحولت أمريكا إلى الدولة الصناعية للأسلحة فى كل ركن من أركانها، وأصبحت الإعمال فى كل شارع من أمريكا حتى تحسنت أيضاً حالة السود فى أمريكا، ثم تحققت مميزات للنساء بمشاركتهن فى العمل، وتحولت الحرب إلى قاطرة تقدم اجتماعى مع تحسن فى معاملة الأقليات والنساء، وارتفعت الأجور وزادت امتيازات العاملين، وصدر قانون يعطى الحق لجميع الجنود المشاركين فى الحرب فى تعليم جامعى بالمجان، وبهذا خلق روزفلت ما عرف بالطبقة المتوسطة الموجودة حتى وقتنا هذا.

وبعد عدة مواقع حربية غير موفقة، نجح الأمريكيون وحلفاؤهم فى كسب الحرب، وبدأ غزو شمال أفريقيا وإيطاليا، واستعادت أمريكا جزر جنوب الباسيفيك والتى كانت قد احتلتها اليابان مع بداية الحرب، والتقى روزفلت مع جوزيف ستالين قائد السوفيت فى طهران 1943، وبنهاية الحرب فى السادس من يونيو 1944 دفع روزفلت لتحقيق حلمه بالبدء بالأمم المتحدة والبنك الدولى، ثم بدأ روزفلت فى الغاء الاستعمار الواقع على أفريقيا وآسيا، الأمر الذى أسقط الإمبراطوريات الأوروبية.

وبسبب الحرب أحس روزفلت أنه ليس من المعقول أن يترك القيادة بنهاية الدورة الثالثة مع أن منافسه حاكم نيويورك توماس دوى الذى أشاع أنه الرجل المريض العاجز عن إدارة شئون البلاد، ورد روزفلت متهماً الجمهوريين بمهاجمة كلبه (فالا) – اسم الكلب، ونجح روزفلت للدورة الرابعة فى نوفمبر 1944.

وفى يناير 1945 قام برحلة إلى بالتا للقاء تشرشل وستالين للمرة الأخيرة للإعداد إلى ما بعد الحرب، ولتشجيع روسيا للاشتراك معهم فى الأمم المتحدة، ولكنه أصبح مريضاً جداً .

وبعد مؤتمر بالتا عاد إلى منتجعه فى جورجيا حيث مات فجأة بجلطة مفاجئة فى 12 أبريل 1945، ولم يكن قد مضى على بداية الدورة الرابعة إلا ثلاثة شهور، وبذلك أصبح روزفلت الرئيس الأمريكى الوحيد رقم 32 الذى خدم أكثر من دورتين.

إنه قائد يمكن أن يطلق عليه مدرسة للقادة والرؤساء ليتعلموا منه فقط بشىء من الاتضاع والكثير من التجرد من الأنانية وتصلب الرقبة والعناد الذى يقود بسهولة إلى السقوط، عملاً بالحكمة الأزلية « قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح «، لذا دعونا نتعلم