رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موسم الهجوم على الأقباط


أخشى أن يأتى علينا اليوم الذى يفتى فيه البعض بعدم جواز المصافحة بين المسلم والمسيحى وقد نجد من يفسرها على أنها لون من السلوك الذى يخالف شرع الله، إذا سارت الأمور فى مصر على ما نراه الآن لا أستبعد أن نصل إلى تلك «المسخرة» التى يعتبر فيها البعض أن المصافحة أو التحية نوع من التفريط العقائدى، فمع اقتراب الاحتفال بعيد القيامة كل عام يحل موسم الهجوم السنوى على الأقباط وعقيدتهم حيث تنطلق «التبولات الفكرية» حول مدى جواز تهنئة المسيحيين بعيدهم.

الجديد فى الموضوع هذا العام ما توصلت إليه الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التابعة للدعوة السلفية ويخلص إلى جواز تهنئة المسيحيين فى المناسبات العادية دون أعيادهم الدينية.

أما الشيخ عبدالرحمن البر والمعروف بـ «مفتى جماعة الإخوان» فيبدو أن آراءه الفقهية قد أصابها ما أصاب أهل السياسة والجماعة من تغير فى المواقف وتبدل فى القناعات، وخرج علينا الشيخ البر بـ «نيولوك» جديد موديل 2013 أفتى فيه بعدم جواز التهنئة، وهو موقف يختلف عما سبق أن أدلى به الشيخ البر موديل 2011 استناداً إلى دراسات سابقة أجاز فيها التهنئة باعتبار أن هذا يعد من أعمال البر والتقوى المنصوص عليها فى الآية رقم «8» من سورة الممتحنة: «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».

فتوى الشيخ نسخة 2011 صدرت يوم 30 ديسمبر 2011 بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، وربما كانت جزءاً من حملة علاقات عامة كبيرة استهدفت ضمان كسب أكبر دعم للجماعة فى الانتخابات، غير أن أكثر ما يحيرنى فى موقف الشيخ أننى رأيته بنفسى فى الكاتدرائية مرتين، الأولى عند استضافته فى برنامج «نبض مصر» على قناة «مارمرقس» الفضائية، والثانية كانت فى الاحتفال بعيد جلوس البابا تواضروس يوم الأحد 18 نوفمبر 2012 حيث جلس الشيخ فى مقدمة الصفوف مهنئاً، إذن ماذا حدث للشيخ؟.. وما الذى بدل موقفه؟

صحيح أن الأزهر أعلن على لسان إمامه الأكبر د. أحمد الطيب أن تحريم تهنئة الأقباط ليس من الإسلام، وقام شيخ الأزهر بزيارة البابا يوم الأحد الماضى لتهنئته بالعيد، كما أكد د. الطيب أثناء لقائه بعدد من المسيحيين أثناء زيارته لدولة الإمارات لتسلم جائزة شخصية العام الثقافية أن مشيخة الأزهر هى حصن للمسيحيين وحقوقهم، كما هى حصن للمسلمين وحقوقهم.. صحيح أن هذه كلها مواقف كريمة تعكس واقع حياتنا كمصريين إلا أن ما نراه فى هذه الأيام من آراء متطرفة يتجاوز حدود حرية الرأى والتعبير.. المسألة وصلت إلى درجة التكفير والتحريض من خلال الخلط المتعمد بين التهنئة بالعيد كسلوك اجتماعى يزيد من روابط المحبة، وبين الطقوس الدينية وهى ليست محلاً للمجاملات ويقتصر نطاقها على الشعائر الدينية ولا يوجد عاقل من أى دين يمكن أن يطالب غيره بالمشاركة فيها.

إذن يبقى السؤال: إلى أين نحن ذاهبون بهذا البلد؟ نعم أخشى أن يأتى اليوم الذى يصل فيه مستوى التطرف إلى حد الإفتاء بتحريم المصافحة بين المسلم والمسيحى.. صدقونى إن لم نتصد لهذه المهزلة، فهذا اليوم قد لا يكون بعيداً.