رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السهم الأخير فى قلب مصر


أعلم أن عنوان مقالى هذا سيكون صادماً للقارئ، ولكن المراد منه لا لإثارة الفزع والقلق فى عقل القارئ بقدر إضاءة الإشارة الحمراء قبل أن يدهس القطار عابرى المنزلق فيؤدى بحياة الجمهور ومعهم بلا شك ركاب القطار وفى الغالب السائق لن ينجو حتى لو حاول القفز منه وإن فعل فلم يجد قطاراً يقوده ولا ركاباً على رصيفه وإن وجد القلة فإنهم لن يرحموا السائق لفقدان الثقة فى قدراته وكفاهم ما نسب إليهم من رعونة الاختيار وسوء القرار وضياع المسافرين ودمار القطار.

أما السهم الأخير المتبقى فى جعبة من بيدهم القرار فهم قضاة مصر والحديث عن قضاة مصر يقصد بهم السلطة الأولى بين السلطات الثلاث.

فالسلطة القضائية ليست كباقى السلطات التى لها كل التقدير والاحترام إلا أنها تختلف عن باقى السلطات، فالسلطة التشريعية أو البرلمانية هى سلطة منتخبة من الشعب وتتجدد كل خمس أو ست سنوات فتأتى بأحزاب تختلفة وفقاً للأداء الذى يقدره جموع الناخبين.

وفى الدول الحديثة تاريخاً وممارسة وإن سبقتنا نحن الأقدم تاريخاً وممارسة إلا أنه - للأسف - فقد سبقنا غيرنا فى السباق لأنهم لم ينشغلوا كثيراً بأجنداتهم الخاصة ولا بمكاسب أقرانهم بقدر غيرتهم على أوطانهم واتفاقهم على هدف واحد يجمعهم هو اللحاق بقطار الزمن والوصول إلى مبتغاهم ولو كان على أرض القمر أو غيره من الكواكب التى قرروا غزوها واكتشاف ما عليها.

وانشغلنا نحن بأولوية ركوب القطار ونسينا أن القطار قد تآكل ولم يبق فيه إلا هيكله المشوه، فالمقاعد اختفت بفعل تسابق الأطفال حول تحويلها إلى لعب يلهون بها أو يتسابقون عليها أما الطرق التى كان يسير عليها القطار فعبث بها العابثون فسدوا الطرق وقطعوا القضبان لأغراض أخرى والسائق لم يعد يهمه كثيراً حالة القاطرة ولا راحة الركاب ولا موعد القيام والوصول فهذه كلها لا تهمه كثيراً وكل ما يعنيه هو تأدية الصلوات فى أوقاتها وضمان وجبة طعامه وطعام صغاره والتفاف رفاقه للدفاع عنه عندما تحدث الكوارث ويموت ويصاب من يصاب وكفاه أن قفز من نافذة القطار قبل أن يهلك مع باقى المسافرين التعساء الذين لا وسيلة لهم للوصول إلى أعمالهم أو معاهدهم لاسيما وهم على موعد مع الامتحانات.

أما عامل المزلقان فقد غاب عن المشهد فى ساعة الخطر لانشغاله بالدفاع عن مقعده الذى يتربص به أعداء الخير ومثيرو الشغب وطامعو المصالح والهوى وحراس المزلقان هؤلاء هم قضاة مصر الذين بقوا - فى غالبيتهم.

فالوباء المتفشى لابد وأن يصيب البعض حتى الأطباء فقد طالت الجراثيم بعضاً ممن لم يتخذوا حذرهم الكافى واستخدام وسائل الوقاية الواجبة.

أما كون إصابة عدد من الأطباء بميكروبات المجتمع التى أصابت عدواها من استطاعت فليس هذا مبرراً للقضاء على كل الأطباء أو جلهم كم يراد الآن - لا سمح الله - أن ينقضوا على قضاة مصر، وبدلاً من مناشدة الهيئات القضائية أن تنقى ذاتها وتعزل الخبيث منهم وفقاً للقوانين التى وضعوها هم لتنقية أنفسهم بأنفسهم، نادى منادى الغفلة أن المقصلة سوف تقضى على شيوخهم تنكيلاً وتمثيلاً حتى يفزع الصغار منهم بعد أن اختفى كبارهم بخبراتهم وتقواهم وحرصهم وغناهم، وبالطبع سوف يغرى الصغار بتصعيدهم - ومن قال هذا - فقد فتح الباب ليدخل من يقفز إلى الطبقات الأعلى وفقاً لأعمال المتقدمين وسنوات ممارستهم للقانون من الواقفين أمام منصات الجالسين للحكم، وعندئذ سيأتى عدد لتبوء المقاعد العليا وفقاً لأعمارهم وسنوات اشتغالهم بالدفاع.

أما المضار الحقيقى فهم ليسوا القضاة، فقد يفتحون مكاتب المحاماة، وبحكم خبرتهم القضائية سوف تتدفق عليهم القضايا ويكسبون أضعافاً مضاعفة عما كانوا يكسبون، ويبقى الخاسر هم المواطنون الذين سيفقدون الثقة فى المنصة والجالسين عليها.

أما الحكمة التى تتسرب إلينا فهى إصلاح وإتاحة الفرص لترقى شباب القضاة حتى ينقسم القضاة إلى معسكرين، وينشب الخلاف بين شبابهم وشيوخهم.

وأبسط قواعد الإدارة تقول - إن صح هذا الهدف - لماذا لا نوسع من درجات الترقى ونمنح الدرجات والألقاب، وأظنها فى القضاء محدودة، فلا يضير شيوخهم أن يصبح شبابهم على درجة المستشار ورؤساء المحاكم، ولا زال الاحتياج ماساً إلى المزيد من المحاكم بمختلف درجاتها.

أما السؤال الأخير الذى نسأله للسادة الأذكياء والخبراء الأجلاء: لماذا لم تقم الدول الكبرى «بلاش العظمى» فالعظمة لله وحده، ونحن أعظم فى أعيننا من كل الدنيا، لماذا ترك سن المعاش للقضاة فى أوروبا وأمريكا مفتوحاً؟ ألم يصلوا إلى فكرنا الثاقب مع أنهم وصلوا إلى القمر؟ - ربما شغلهم العلم فنسوا علم الترقى بين قضاتهم أو لعجز فى البشر عندهم، فلننصحهم بأن يستعينوا بنا وعندنا الخبراء والقادة الذين بحكمتهم الخارقة وصلوا إلى منصات القضاء لإصلاحها حتى يستطيع أن يجلس عليها قضاة المستقبل فقط بعد طلب منحة من دولة أكثر مالاً حتى نصلح المقاعد ونرحم المنصاب لجلوس الإخوة القادمين من بعثاتنا الداخلية والخارجية ليحكموا بيننا أو إن شئتم علينا.

مع شديد الاعتذار للقدر وللتاريخ وهما لا يرحمان