رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السياحة الإيرانية..لماذا التخوف؟


أنهت البعثة الفنية لصندوق النقد الدولى لزيارتها لمصر التى استغرقت نحو الأسبوعين وخلصت فى تقديرها للموقف الاقتصادى إلى أن الإقتصاد المصرى يمر بمرحلة حرجة جدا.. وأن الحكومة لا تعى ولاتقدر عامل الزمن.

ومن ناحية أخرى تتحدث تقارير اقتصادية

عن أن فاتورة واردات مصر المطلوب سدادها خلال فترة تتراوح ما بين 3 إلى 5 شهور قادمة تتراوح ما بين 5-8 مليارات دولار تمثل فى أغلبها واردات مصر من السولار والوقود بصفة عامة. وتبقى المشكلة الأخطر التى تواجه اقتصادنا فى مدى قدرة هذا الاقتصاد على الاعتماد على ذاته فى تدبير موارد النقد الأجنبى التى تجعل مصر قادرة على التعامل مع العالم الخارجى.

إن ما تحصل عليه مصر من أصدقائها فى صورة منح أو ودائع أو سندات لا يختلف فى قليل أو كثير منه عن حقن الكورتيزون التى يتعاطاها المريض من أجل أن يتماسك، إذ أن شعور هذا المريض بالتحسن النسبى لا يعنى تحسنا حقيقيا فى حالته الصحية، إنما هو شعور مؤقت سرعان ما يزول بزوال أثر الحقنة، وما نقوله على المريض يصح أيضا على حالنا الاقتصادى .. إذ لا تحسنا حقيقيا فى أحوالنا إلا عندما يتمكن الاقتصاد من توليد مصادر نقد أجنبى تعيد شيئا من الإعتبار للعملة المحلية، وتجعل من هذا الاقتصاد قادر على الاندماج فى المنظومة الدولية والتعامل معها.

وبنظرة تحليلية إلى خريطة موارد النقد الأجنبى فى الاقتصاد حاليا نجد أنه لم يعد لدينا سوى قناة السويس التى تراجعت ايراداتها فى شهر فبراير الماضى بنسبة 4ر7% لتسجل 3ر375 مليون دولار مقابل 1ر405 مليون دولار فى شهر يناير. وباستثناء القناة لم تعد لدينا موارد تذكر من السياحة أو صادرات الغاز أو تحويلات المصريين المقيمين بالخارج باعتبار أن هذه المصادر تأثرت جميعها بالأحداث التى تشهدها مصر. إذن ما هو المطلوب؟ ببساطة - ودون إغراق فى أرقام ومؤشرات يمل منها القارئ – المطلوب هو العمل على تعظيم مواردنا من النقد الأجنبى وليس أقل من أن يتم تعظيم الحصيلة من صناعة السياحة التى تمثل عمودا فقريا فى الاقتصاد المصرى وتسهم بنحو 12% من الدخل القومى. والسياحة لكى تنمو فى حاجة إلى أمن واستقرار سياسى وتلك المسألة ليست متحققة بالقدر الكافى حاليا، ولذلك فانه حين يقبل سائح بأن يختار مصر وجهته المفضلة ليقضى فيها أياما – وفى ظل تلك الظروف– فاننى لا أفهم سوى أن نرحب به ونذلل له كل العقبات لأن حضور هذا السائح يترجم فى إشغالات فندقية وتشغيل منشآت أنفقت فيها استثمارات تقدر بالمليارات وهى الآن معطلة، ويترجم أيضا فى عملات أجنبية ستدخل البلاد، ويعنى أيضا تشغيلا لمنظومة طويلة عريضة تبدأ بسائق التاكسى ولا تنتهى بالرسوم التى تحصل عليها الدولة فى المطارات والتأشيرات وغيرها. إذن ما المشكلة فى أن نسعى لجذب السياح الإيرانيين الذين كانوا أول من أعلنوا رغبتهم فى زيارة مصر رغم ما تمر به من ظروف؟ وهل من المقبول لأمة تباهى بتاريخها وحضارتها الضاربة فى جذور 7 آلاف سنة من التاريخ أن تتخوف من رحلة سياحية قام بها 58 سائحا ايرانيا؟ بالله عليكم ألا يعد هذا التخوف الذى يثيره الأخوة السلفيون اعترافا بالضعف والوهن الحضارى والفكرى الذى نرفضه؟

أعتقد أن ما أصدرته الجبهة السلفية من بيانات تحذر فيها من خطورة السياحة الإيرانية على هوية المجتمع أمر مبالغ فيه ويحمل حساسيات مفرطة لا يصح أن تكون فى بلد معروف عنه تاريخيا بانفتاحه على كل حضارات العالم. ولن أتحدث كثيرا عن مصر التى لم تغلق أبوابها يوما فى وجه كل من طلب اللجوء إليها أو زيارتها، ودعونا نطرح الفكرة بمفهوم المنفعة المباشرة وأؤكد أن السياحة الإيرانية هى طوق النجاة الذى يمكن أن يقدم لنا حلا سريعا لجزء من مشاكلنا.. فلماذا التخوف؟

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.