رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صراع التحديات قد يزول، وصراع الفتن قد يطول


يرى معظم الكتاب الغربيين المعنيين بالشأن المصرى، أن الدكتور مرسى يميل الى الديكتاتوريه والتسلط مثل سابقه، وان خروقات القانون والنظام ملموسة، وان هناك ضغط على التعبير الحر، وأن هناك زيادة فى التوترات الطائفية فضلا عن الانهيار الاقتصادى المتوقع كما يقولون. هذه هى معظم رؤى الكتاب الغربيين المعنيين وتخوفاتهم فيما يتعلق بالشأن المصرى، وهى أوضح ما تكون فى صحيفة الجارديان.

هذه هى بعض حقائق فى الواقع المصرى بدرجات متفاوته. وهى تعبر عن تحديات خطيرة تواجه المستقبل المصرى، إلا أن التوترات الطائفية تدخل فيما أسميه ( باب الفتن ) التى قد يستفيد منها الغرب نفسه مستقبلا، فى إطار ما تسميه دوائره الاستراتيجية، مقدمات الاتهام بالارهاب، مع إنتهاك حقوق الأقليات وتهميشهم بأى شكل.

الفرق هائل بين التحديات التى تواجه اى وطن وبين الفتن، ولذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( ستكون فتن كقطع الليل المظلم). لمسنا ذلك فى كل البلادالتى شهدت شيئا من تلك الفتن.

رأينا شيئا من تلك الفتن فى افغانستان، حيث إقتتل الاخوة الحركيون الاسلاميون فيما بينهم ثم فيما بينهم وبين الآخرين، حتى بعد النصر على الاتحاد السوفيتي، فعاقبهم الله تعالى، وسلط عليهم من تدخل فى شئونهم وفرض عليهم كرازاى فرضا ولكن بطريقة ديمقراطية وبإنتخابات حرة نزيهة، إلا من شراء الاصوات فى بيئة اكثر ما فيها الفقر والجهل والقبلية والعصبية والقومية والسلاح الكثيف المستورد.

ورأينا شيئا من تلك الفتن فى العراق، بعد تفتت ونهاية الاتحاد السوفيتى، وهذا التزامن في القضيتين ليس إعتباطا، وإزداد العرب إنقساما. وكانت عناصر الفتنة تكمن فى فخ إحتلال الكويت، أو تحرير الكويت، ومواقف الحركات الاسلامية التى تناقضت. وبرزت الفتنة أكبربعد إحتلال العراق وفرية أسلحة الدمار الشامل، وتمثلت الفتنة أيضا فى الصراع داخل أعضاء الجامعة العربية ذاتها، وخسرت قضية فلسطين وتراجعت سلبا فى ضوء هذه الفتنة كبقية الفتن، وخسر الفلسطينيون ساحة مهمة خليجية كانت- على الاقل- تستوعب مئات الألاف من العاملين الفلسطينيين.

ورأينا شيئا من تلك الفتن فى الصومال متمثلا فى الصراع بين أبناء الحركات الاسلامية حتى اتت على الاخضر واليابس فى بلد معدم. ولو إستخدم ثمن السلاح – مهما كان مصدره – فى التنمية مع سواعد الشباب الذين حملوه سنين طويلة لإختلف الوضع فى الصومال.

ورأينا شيئا من تلك الفتن فى السودان بين أبناء الحركة الاسلامية الواحدة أيضاً، حتى إنقسم السودان بين شمال وجنوب واصبح دولتين بدلا من دولة واحدة، وظلت طائفة ممن إنتسبوا للحركة الاسلامية تحكم السودان، و ظلت الاخرى فى المعارضة تتهم من حين لآخر بمحاولة الانقلاب رغم ان الجميع جاءوا للحكم بإنقلاب عسكرى باسم الانقاذ فى 1989.

وهناك فتنة أخرى تدور حاليا على أرض سوريا العزيزة، إختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وإختلطت فيها الأولويات، وخسر فيها جميع الأطراف بما فيها النظام السابق الموروث، والمعارضة التى تباينت إرتباطاتها وفقا لمصادر تسليحها وتمويلها وتحريكها، وخسرت فيها القوى التى دعمت النظام القاتل فى سوريا بما فى ذلك إيران وحزب الله.

خسرت سوريا الوطن وسوريا الدولة، وترقص إسرائيل طربا ً بما يدور على ارض سوريا، وما ينتظر مستقبلها من تدمير كامل أو تقسيم متوقع دون أى إسهام فى قضية فلسطين مهما كان صغيرا او هامشيا. هناك اكثر من كرازاى سورى الاسم والجنسية، غربى الهوى، ينتظر الوقت المناسب والترتيب الغربى والاقليمى المناسب، ليصل إلى سدة الحكم فى سوريا بعد نهاية الصراع القائم. أمريكا تخطط ونحن نتخبط، فتضيع الأوطان كما ضاعت بعض الثوابت والمفاهيم.

أما فى مصر – بإعتبارها أهم بلدان الربيع العربى- فتظهر الفتن الاربعة الخطيرة فى المجتمع سوياً وبدرجات متباينة. فهناك فتنة التكفير للآخرين حتى تشمل المجتمع كله، وفتنة المذهبية الدينية أى السنة والشيعة، وهى ايضا تقوم على تكفير الشيعة وأيضا بدرجات متفاوتة، بإعتبار او زعم سلفى او تسلفى أن الشيعة خالفوا فى بعض الأصول، ويسبون الصحابة والسيدة عائشة رضوان الله تعالى عليهم، رغم فتاوى الامام الخامنائى بتحريم سب الصحابة والسيدة عائشة. صحيح ما زال هناك من يقع فى ذلك المرض، ولكن العلاج ليس التكفير أو المقاطعة أو الحصار مثلما تفعل أمريكا مع إيران. العلاج يكمن فى الحوار المستمر، والاقناع بالأدلة الصحيحة، وتوثيق الأدبيات التي تدعو لذلك. وهناك فتنة طائفية تظهر من حين لآخر فى مصر وأيضا بدرجات متفاوتة . أما الفتنة الرابعة فهى فتنة الاسلامية والعالمانية، وإن تمثلت اليوم فى قضايا فكرية وسياسية.

أربع فتن لو إجتمعت على أمريكا نفسها لدمرتها تدميراً، وأتت على بنيانها من القواعد. فهل هناك من أهل العقل والحكمة من يتعظ؟ الفتن الأربعة التى ذكرناها تنخر فى المجتمع المصرى، واهم بيئة تنتشر فيها تلك الفتن هى بيئة الصراع على السلطة ومرض التكفير.

تعيش بعض الامم بالتحديات قرونا حتى لو كان التحدي إقتصادياً، ولكنها لا تعيش والفتن تنخر فيها عقودا.

مصر اهم دولة فى العالم العربى والمنطقة، وتستطيع فى ضوء المفاهيم والثوابت الاسلامية أن تلعب دورا مهما فى الخروج من التحديات ومن الفتن أيضا، ولكنها تحتاج الى العقل والتعقل. والاستفادة من كل إمكانات المجتمع دون تفرقة بسبب الانتماء الفكرى أو الدين او الجنس أو العرق او اللون أو التنظيم. من التجارب والشخصيات التي غيرت وينبغي الاستفادة منها لمن يتعظ ويريد الاستفادة، جنوب افريقيا - مانديلا-، وفنزويلا – تشافيز- والبرازيل – لولادى سيلفيا- وإيران – الخمينى والخامنائى. ويكفى أنها جميعا بلاد وقيادات لم تخضع للهيمنة الغربية ولا الشرقية، وحاولت ولا تزال الخروج من التخلف لبناء مستقبل زاهر.

والله الموفق.