رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطر قائم والقمة أنهت أعمالها النمطية


نفس المنظر الذى شهدناه فى أفغانستان نشهده اليوم فى سوريا ومن خلال القمة العربية، مع فارق أساس واحد هو أن الشباب الإسلامى أو المسلم الذى ذهب إلى أفغانستان فى أوائل الثمانينيات، كان من المفروض أن يحارب ضد الغزو السوفييتى لأفغانستان

وليس ضد الأفغان، رغم أن بعضهم بعد هزيمة السوفييت اشترك فى الفتنة الأفغانية، وحارب مع فصيل أفغانى ضد آخر، مما هيأ الأجواء فيما بعد لنشأة طالبان، وكذلك لاستخدام تلك الفتنة تحت مسمى الإرهاب فى الغزو الأمريكى. كثرت هيئات الإغاثة الإسلامية لمساعدة الأفغان أثناء الجهاد أو الحرب خصوصاً من السعودية والكويت، وقامت تلك الهيئات بدور حيوى وجميل فى أعمال الإغاثة، ولكن عندما طلب الأمريكان الانفراد بأفغانستان، غادرت تلك الهيئات الساحة مضطرة ولم يقف أحد أمام الغزو الأمريكى أو سلاح الاتهام بالإرهاب، بل وحوكم بعض الإغاثيين ومنع بعض قادتها من السفر خارج السعودية خصوصاً، مما يذكرنا بما حدث للإخوان المسلمين الفدائيين ومحاكمتهم عند عودتهم من فلسطين بعد الاشتراك فى حرب 1948 ضد العصابات الصهيونية التى تحولت إلى كيان محتل ومخيف لكل العرب.

اليوم كما ذكرت الأخبار نقلاً عن وكالة الأنباء التونسية، يتكرر جزء مهم من المشهد الأفغانى الذى عشته بروحى وعقلى حتى النهاية المفزعة. قطر اليوم –كما أشارت بعض المصادر- تقوم فى سوريا بدور السعودية والكويت من قبل فى أفغانستان، وكله من الخليج. قطر تمول عدداً من الجمعيات الحقوقية والخيرية التى تبتغى إرسال مجاهدين أو محاربين أو مخربين كما يتوقع مستقبلاً، فى الفتنة المتوقعة بعد نهاية الحرب الدائرة اليوم فى سوريا» ليس المهم التسمية اليوم. هؤلاء سافروا ويسافرون إلى سوريا عبر ليبيا وتركيا كما جاء فى الأنباء، العدد اليوم مثلما يقول المثل، «أول الغيث قَطْر ثم ينهمر». شكلت كلمة قَطْرُ حتى لا يقرأها أحد قَطَر.

أنا مع مواجهة أى نظام عربى أو مسلم ديكتاتورى مستبد أو طائفى كريه أو ظالم أو حتى متخلف. يجب أن يزول ذلك النظام ليفسح المجال أمام الحرية والتقدم والعدل والمساواة والشورى أو الديمقراطية الصحيحة، ولكن بشرط مهم كما هو فى قواعد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أى بدون أن يخلف ذلك شراً أو فساداً أكبر منه أو حتى مساوٍ له وهذه الأخيرة فيها خلاف بين الفقهاء.

أعتقد أن تونس ستواجه بعضاً من المشكلات والتحديات الخطيرة نتيجة ذلك الأمر مستقبلاً، وبعد أن يتضح المشهد كاملاً، ويدرك بل ويرى العالم والجاهل نتيجة الصراع المرير.

كان من الممكن أن يكون للجامعة العربية قوات كافية تستطيع أن تردع الظالم والمستبد والمتخلف، دون تفرقة بين بلد وآخر ودون تفرقة بين ملكية أو جمهورية ودون تفرقة كذلك بين بلدان الربيع العربى والخريف أو الشتاء العربى، وأن تكون هناك معايير لهذه القوات تتحرك فى ضوئها ولخدمة أهداف عربية خالصة، وذلك فى ضوء ما جاء فى القرآن الكريم «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله».

أعرف أن هناك من يكفر الطائفة العلوية أو النصيرية ولا يعتبرهما من المؤمنين رغم شهادة بعضهم على الأقل بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. صحيح هناك من تلك الطائفة من هو صاحب عقيدة فاسدة، ومن يمارس نواقض الاسلام والإيمان، وهناك مثل أولئك فى كل البلاد العربية من الحكام والمحكومين. فكيف يكون العمل معهم؟ هذا سؤال فقهى يحتاج إلى إجابة محددة وواضحة وإجماع أو شبه إجماع حتى لا يفلت الأمر من نطاق الفتوى الصحيحة، وقد ابتليت الأمة بفتوى الاستعانة فى حرب الخليج الأولى، رغم القليل من التحفظات والشروط التى لم يتحقق منها شىء لأننا لا نتعلم كثيراً من الدروس حتى المؤلمة منها، ودخل الأمريكان فى الخليج بعد صدام حسين وانتشرت القواعد العسكرية ومكثوا ولم يغادروا، ولم يجرؤ أحد فى القمة على مناقشة تلك القضية، لأن بعضهم يرى أن بشار ونظامه أخطر من الهيمنة الغربية وإسرائيل. وهناك فتاوى بذلك أيضاً حتى أثنى بعضهم على اغتيال العالم الجليل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطى باعتباره أحد المنافقين، وأنا هنا لا أناقش من قتل البوطى، ولكننى أتساءل: هل قتل النبى محمد صلى الله عليه وسلم المنافقين وكان بهم عليماً؟.

معركتنا اليوم مع الاستبداد والتخلف والظلم والتمييز والفرقة، معركتنا يجب أن تدور وفق حشد جميع الإمكانات ضد كل أولئك الأعداء، ولكن النظرة الجزئية المجافية للموضوعية والإنصاف والاحتلال والهيمنة الغربية والتنازع والتفرقة والحدود الجغرافية التى صنعها الغرب باتفاقية «سايكس بيكو» وفق أولويات عربية غائبة واستسلام مذل للهيمنة، ولكن بعضنا من الحكام والمحكومين على السواء فى صالح كل أولئك، بل وتلك الأمراض المتفشية المستعصية على الحل، حتى رأينا كثيراً منها لا يزال قائماً فى دول الربيع العربى، أخشى أن تخضع تونس مستقبلاً وبسبب مشاركة بعض أبنائها فى الفتنة السورية، لقوائم الإرهاب الدورية التى تصدرها وتتحكم فيها أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوروبى المهمة.

مرة أخرى أنا مع القضاء على الظلم والاستبداد والطائفية وكل أمراض الأمة الظاهر منها والمستتر، وهى طبعاً غير المذهبية المعتبرة عند أهل السنة والجماعة وعند الشيعة الاثنى عشرية أو الزيدية أو الإباضية أو الظاهرية، فكل له أدلته الكلية واجتهاده وقواعده الفقهية والأصولية ومصادره المعتبرة وفهمه، طالما آمنوا جميعاً بالأصول، ومهما اختلفوا فى الفروع تلك التى لن ترى إجماعاً حتى يوم القيامة.

أنا لست يائساً، ولم يصبنى اليأس يوماً ما، لأن الأمل فى المستقبل والأمل فى الخلافة التى هى على نهج النبوة تملأ روحى وكيانى، ولن يعارض قيم ذلك النهج أحد. قد يعارض بعضهم العقيدة أو الأيديولوجيا أو الشكلية فى التدين أو العنف أو التشدد والتطرف، ولكن الغالبية إن لم يكن الجميع، سيدعم تلك القيم العظيمة ومنها الحرية والعدل والشورى والمساواة وحقوق الإنسان، ومنها اليد العليا خير من اليد السفلى، ومنها القضاء المستقل، ومنها العمل الجاد للاستقلال والمستقبل. لا أظن أن هناك من يرفض ذلك إلا إذا كان مريضاً أو غير عاقل، أو ينظر نظرة جزئية قصيرة وكلهم يحتاج إلى علاج قد يكون طويل الأمد، حتى تعلو المصلحة العامة الوطنية والقومية فوق الحدود الجغرافية، وفوق الماديات التى تتنوع وتختلف من زمن لآخر ومن بيئة لأخرى، حسب النعم التى ينعم بها الله تعالى على الجميع، ويقدم من كان فى الحكم النموذج الرشيد.

وللأسف فإن بعض القضايا العربية اليوم والقائمين عليها يصدق فيهم قول القائل:

وزهدنى فى الناس معرفتى بهم *** وطول اختيارى صاحباً بعد صاحب

فلم تُرنى الأيام خلا تسرنى *** مباديه إلا ساءنى فى العواقب

يصدق هذا أيضاً على اجتماعات القمة الأخيرة وبعض سابقاتها، التى تتخذ كثيراً من القرارات والتوصيات التى لا تعمل إلا قليلاً، وياليتها تعمل بكل شفافية ووضوح وثقة فى الآخرين ودون تناقض مثل الذى وقع فيه الرئيس مرسى حينما حذّر فى مؤتمر القمة الأخير، بل ورفض التدخل فى شئون مصر الداخلية بكل قوة، حتى اعتبر بعضهم أنها إهانة للقمة، ولكنه يتدخل فى شئون سوريا الداخلية بكل قوة، بما يفسد لا بما يصلح، وإن أراد الإصلاح أو أراد حكام العرب جميعاً الإصلاح مخلصين، لكن الإخلاص وحده لا يكفى لابد من الصواب أو الإتقان معه.

إن المهاجرين السوريين اليوم يتعرضون لكثير من الإهانات والتحديات والمظالم، رغم تيسيرات التنقل وسهولة دخول بعض البلاد العربية وليس كلها. ساءنى ما سمعته من أن امرأة سورية عزيزة متعلمة تعليمًا عالياً، طلبت من إمام أحد المساجد فى مصر، أن تعمل لديه خادمة أو لدى أحد ممن يثق فيهم، حتى لا تتعرض للإهانات أو سوء الاستغلال أو التحرش أو الاستمتاع بزواج ما أنزل الله به من سلطان. لا أريد هنا أن أعدد التسميات الكاذبة لهذا الزواج، قد تمر هذه التحديات والجميع منغمسون فى الصراع، والمحرك والمراقب للصراع والمستفيد منه لا يراه كثير منا اليوم «أفلا تعقلون».

والله الموفق