رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إثيوبيا تتحدى مصر بخمسة سدود على النيل الأزرق


إذا قررت إثيوبيا أن تملأ البحيرة خلال ثلاث سنوات فقط فهذا يعنى خصم 25 مليار متر مكعب سنويا، بما يعنى دماراً كاملاً لمصر وحرمان 5 ملايين فدان مصرية من الزراعة وعدم امتلاء بحيرة ناصر بالمياه وانخفاض أو انعدام التوليد المائى للكهرباء.

فى تحد غير مبرر واستعجال الحرب على المياه أعلنت إثيوبيا نيتها عن إقامة خمسة سدود متتالية على النيل الأزرق واضعة اسم وموقع كل سد وسعته ما دامت مصر لا يعجبها بناء سد النهضة فقط، فإثيوبيا سوف تتحدى بخمسة سدود جديدة لتستأثر وحدها بمياه النيل الأزرق وليمت شعب مصر عطشا فيما تظنه إثيوبيا أنه استغلال لضعف دائم لمصر، غير مدركة أن الضعف السياسى فى مصر لم يصل إلى جيشها القوى القادر على الوصول إلى كل شبر فى إثيوبيا فهو الذى ألحق الهزيمة بالجيش الإسرائيلى الأقوى مئات المرات من الجيش الإثيوبى، فالضربات الوقائية لمنع الضرر وحماية الأمن القومى للدولة حق دولى مشروع تقره الأمم المتحدة، وحليفة إثيوبيا الحالية إسرائيل خير من استغل هذا المبدأ فى العراق وتونس وسوريا والسودان وسط تأييد عالمى للحفاظ على أمنها القومى. السد الأول هو سد «النهضة» أو «الحداسة» باللغة الإثيوبية «Hidase» والذى يحجز خلفه 73 مليار متر مكعب ويولد كمية من الكهرباء تبلغ نحو ثلاثة أضعاف ما يولده 12 سداً حاليا مقامة على مختلف أنهار إثيوبيا تولد جميعها كهرباء تبلغ 1.9 ميجاوات.

بينما سيولد سد النهضة 5.25 ميجاوات. الخطورة الأكبر فى سد النهضة أنه مقام على منحدر شديد الوعورة، وبالتالى فإن احتمالات انهياره عالية للغاية ومعامل أمانه لا يزيد على 1.5 درجة مقارنة بمعامل أمان السد العالى الذى يصل إلى 8 درجات، وبالتالى فإنه فى حالة انهياره فسوف يمحو مدينة الخرطوم من الوجود ويستمر دماره لجميع المدن التى تقع شمالها وصولا حتى السد العالى ومدينة أسوان. يضاف إلى ذلك أن امتلاء البحيرة خلف هذا السد بهذا الحجم الهائل من المياه حتى ولو قدرنا أنه يمكن أن يحدث خلال خمس سنوات فهذا يعنى استقطاع 15 مليار متر مكعب كل سنة من حصة مصر والسودان، وبالأصح من حصة مصر فقط لأن سدود السودان «خشم القربة والرصيرص وسنار ومروى» تحجز حصة السودان من المياه أولا قبل أن تصل إلى مصر وهى كمية تعادل حرمان 3 ملايين فدان مصرى من الزراعة.

أما إذا قررت إثيوبيا أن تملأ البحيرة خلال ثلاث سنوات فقط فهذا يعنى خصم 25 مليار متر مكعب سنويا، بما يعنى دماراً كاملاً لمصر وحرمان 5 ملايين فدان مصرية من الزراعة وعدم إمتلاء بحيرة ناصر بالمياه وانخفاض أو انعدام التوليد المائى للكهرباء، وبذلك تكون كهرباء إثيوبيا فى الواقع على حساب كهرباء مصر، بالإضافة إلى ضخ المياه لمصر على صورة حصة يومية تتوقف على قدر احتياج إثيوبيا للكهرباء فيتحول النهر إلى ترعة يصرف فيها ماءً مقنن بأوامر إثيوبيا ولا يصبح لبحيرة ناصر أهمية ولا للسد العالى الذى سيكون هدمه أفضل لتقليل البخر من بحيرة ناصر وتدفق حصة مياهنا من سدود إثيوبيا إلى داخل البلاد يوميا فى ترعة النيل بدلا من نهر النيل ويستوجب على مصر إبلاغ إثيوبيا باحتياجاتها مسبقا فى قطاعات الزراعة والمنازل والصناعة والمحليات حتى تتفضل بصرفها لنا يوما بيوم وكأنه ليس نهرا دوليا بل إثيوبيا صرفا. السد الثانى والذى يقع خلف سد «النهضة» هو سد «مندايا» «Mendiya» ويبعد عن نهاية بحيرة سد النهضة بأقل من 100 كم.

وبنفس المسافة يأتى السد الثالث وهو «سد باكو أبو» «Bako Ambo» ثم السد الرابع على بعد 100 كم أخرى وهو سد «كارادوبى» «Kara Dobi»، ثم أخيرا ولضمان رفع منسوب المياه فى بحيرة تانا منبع النيل الأزرق أو لتحويل مجرى النهر وقتما يشاءون يأتى السد الخامس بنوعيته الخاصة السابقة وهو سد «تشارا تشارا» «Chara Chara Weir»، هذه هى السدود الخمسة بالمواقع والأسماء يا حضرات المسئولين ولدينا الخريطة الخاصة بها ومناسيب الارتفاعات على الانحدارات الخطيرة المقامة عليها فماذا أنتم فاعلون وما العمل تجاه ذلك؟؟!!

الحل كما أراه أن تتبنى مصر إقناع دول النيل الأبيض الست بفصل إدارة المياه للنيل الأزرق عن إدارة المياه بالنيل الأبيض، حيث إنهما حوضان منفصلان وغير متصلين، وبالمثل أيضا نهرين لا يتصلان أبدا ولكن فقط يلتقيان عند مدينة الخرطوم فى الطريق إلى مصر. وبالتالى فإنه فى حالة وجود جفاف فى دول النيل الأبيض الست فلا يمكن لإثيوبيا أن تحول مياه النيل الأزرق لها فلا سبيل ولا طريق ولا انحدار ولا أى ظروف طبيعية أو حتى مستحيلة تسمح بذلك. وبالمثل أيضا فإذا ما تعرضت إثيوبيا إلى الجفاف فلا سبيل أبدا لوصول مياه النيل الأبيض إليها وبالتالى يكون صحيح الأمر أننا نتعامل مع نهرين وليس نهرا واحدا وهما مستقلان ومنعزلان عن بعضهما البعض ولا يمكن تداول المياه خارج دول كل نهر ولذلك فلا معنى أن تستقوى إثيوبيا بدول النيل الأبيض الست ضد مصر.

هذا الأمر يمتد أيضا إلى المبدأ الدولى الذى يقرر اقتسام المنافع أو حدوث وتلافى الأضرار لدول كل نهر على حدة، بمعنى أن سدود إثيوبيا على النيل الأزرق لا يمكن أن تضر أو تفيد دول النيل الأبيض الست، ولكن المستفيد أو المتضرر منها سيكون فقط إثيوبيا والسودان ومصر، ولهذا فإن أى سدود تريد إثيوبيا إقامتها على النيل الأزرق وروافده الأخرى مثل عطبرة وتاكيزى والسوباط والدندر تناقش فقط بين دول النيل الأزرق الثلاث وبعيدا تماما عن دول النيل الأبيض، ووقتها يمكن لمصر أن تتخلى عن حق «الفيتو» فى بناء السدود ويكون القرار بأغلبية التصويت بين إثيوبيا والسودان ومصر، ويمكن أيضا ضم إريتريا إليها حيث يمر بحدودها نهر عطبرة. وبالمثل فإن بناء أى سدود على النيل الأبيض الذى ينبع من بعيد جدا عند خط الاستواء لا يمكن أن ينفع أو يضر إثيوبيا ولا إريتريا، وبالتالى فإن أمور إقامة سدود على النيل الأبيض تناقش فقط بين دول النيل الأبيض وهى: مصر والسودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبروندى والكونغو، وبعيدا تماما عن إثيوبيا وإريتريا لانعدام مبدأ تبادل المنفعة أو تلافى أو حدوث الأضرار.

ويكون التصويت بالأغلبية أيضا، خاصة أن كل ما يصل مصر والسودان من دول النيل الأبيض لا يتجاوز 15% فقط من حصتيهما من مياه النيل بما لا يتجاوز 12.5 مليار متر مكعب فى السنة وفقد كميات منها حتى خمسة مليارات متر مكعب فى السنة يمكن لمصر والسودان أن تقتسمها وتتحملها بعكس الوضع فى إثيوبيا والتى يصل لمصر والسودان 85% من حصتيهما من مياه النهر بما يعادل 71.4 مليار متر مكعب كل سنة وأى مساس بها تعنى دمارا شاملا لمصر والسودان تصل إلى حد الإبادة الجماعية لشعوبهما التى تعتمد على هذه المياه الأقرب إلينا فى المسافة والتى تصب فى مدينة الخرطوم مباشرة بعكس مياه النيل الأبيض البعيدة والتى تقطع مسافة طويلة جدا إلى أن تصل من أوغندا إلى السودان الجنوبى ثم إلى السودان ومنها إلى مصر.

السادة المسئولون من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء.... والسيد وزير الدفاع.. الوضع فى إثيوبيا خطير للغاية ويهدد الأمن القومى المصرى.

■ كلية الزراعة - جامعة القاهرة

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.