رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والمشروع الإسلامى بين سوء أداء الإسلاميين وضعف الآخرين


مصر والمشروع الإسلامى بين سوء أداء الإسلاميين وضعف إنصاف الآخرين (1-2)

وعدت فى المقال السابق أن أكتب عن اللاءات العشر القائمة حالياً فى السياسة المصرية أو التحديات القاتلة التى بدون علاجها لا يصلح إصلاح، ولا تعود الثقة ولا ينتهى الانقسام ولا الاستقطاب. كما وعدت أن أكتب عن السيناريوهات المتوقعة فى مصر

نتيجة العبثية السياسية والابتعاد عن تحقيق أهداف الثورة، شيئاً فشيئاً. ولكن مرور ذكرى اغتيال أو قتل أو استشهاد الإمام حسن البنا فى 12/2/1949 رحمه الله تعالى، فرضت نفسها على المشهد هذا الأسبوع، وفاء لذكرى ذلك المجدد العظيم، وتمحيصاً لبعض الأقوال والافتراءات الداحضة، بشأن مشروعه الإسلامى الوسطى الرائد، وشأن قتله، وخصوصاً فى ضوء سوء أو ضعف أداء من يزعمون أنهم يحملون اليوم مشروعه.

اتصلت بى منذ أيام قليلة الكاتبة المرموقة هالة العيسوى (من الأخبار)، وطلبت استيضاح بعض النقاط التى وردت بمجلة روز اليوسف، فى العدد 4419 بتاريخ السبت 16 فبراير 2013، بشأن اغتيال الإمام البنا- رحمه الله تعالى. وعدد روز اليوسف هذا فيه ملف كبير من الغلاف حتى النهاية عن هذا الرجل العظيم ولكنه ملىء بالأخطاء والتشويه. ذلك الإمام، الذى قال عنه روبير جاكسون الأمريكى فى مقاله المنشور فى النيويورك كرونيكل فى فبراير 1946، بعد ما زاره فى القاهرة تلك السنة: «رأيت أن أقابل الرجل الذى يتبعه نصف مليون شخص. زرت هذا الأسبوع رجلاً قد يصبح من أبرز الرجال فى التاريخ المعاصر، وقد يختفى اسمه إذا كانت الحوادث أكبر منه، ذلك هو الشيخ حسن البنا زعيم الإخوان» هكذا كتب جاكسون سنة 1946، وقد ترجم مقاله هذا الأستاذ أنور الجندى رحمه الله تعالى، ونشره تحت عنوان «حسن البنا الرجل القرآنى».

وبعدما اغتيل حسن البنا كتب روبير جاكسون مقالاً آخر قال فيه: «هذا ما كتبته منذ خمس سنوات، وقد صدقتنى الأحداث فيما ذهبت إليه، فقد ذهب الرجل مبكراً، وكان أمل الشرق فى صراعه مع المستعمر». ثم يعلق روبير جاكسون عن بلادنا الشرقية فيقول: «هكذا الشرق لا يستطيع أن يحتفظ طويلاً بالكنز الذى يقع فى يده». وأضيف هنا «وحتى أتباعه اليوم لم يفعلوا ذلك».

أريد أن يرى القارئ الكريم الفرق الواضح، وفى شىء من الموضوعية والإجحاف، حتى عند التحليل السياسى أو التناول الإعلامى بين الإنصاف والإجحاف فى التقويم. صحيح إن أداء الإخوان المسلمين اليوم والحركة الإسلامية عموماً على الساحات المحلية فى العالم العربى، وخصوصاً تلك التى هيمن عليها أو يتدخل فيها الأمريكان، بما فى ذلك دول ثورات الربيع العربى، وكذلك أداؤهم على الساحات العالمية أيضاً، لم يكن الأداء المتوقع فى ضوء المشروع الإسلامى الوسطى الربانى العالمى، الذى يقوم على قيم عديدة من أهمها العدل والشورى والمساواة ووحدة الأمة واحترام إرادة الشعب، والتدرج فى التغيير، والاهتمام بالدعوة والتربية والتنمية، والاستفادة من القدرات والامكانات المتوفرة قبل أن نمد أيدينا للآخرين طلباً للعون أو القرض.

إلا أن ذلك الأداء السيئ أحياناً والضعيف أحياناً أخرى، والتحالف أو التوافق مع الأمريكان فى ضوء هيمنتهم الواضحة وهم أعداء الأمة بل الإنسانية اليوم، لا يلغى التاريخ الناصع للإخوان، ولا يعود سوء أو ضعف أداء الإخوان اليوم، ولا ينبغى أن ينسب هذا السوء إلى مشروع الإمام البنا، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

فى صدر الملف الخاص عن الإمام البنا فى عدد مجلة روز اليوسف المشار إليه، وفى الصفحة العاشرة نقرأ بجوار صورة البنا وسيد قطب استشهاداً فى غير موضعه يقول «كبيرهم الذى علمهم السحر».

ثم تسرد الكاتبة يارا اليمانى حواراً مع الأستاذ خليفة مصطفى عطوة، ووصفته بأنه المتهم الثالث فى عملية اغتيال جمال عبدالناصر الفاشلة، وسنرى أين السحر والكهانة. جاء فى الحوار على لسانه، ما يلى: «لمن لم يعلم هناك ما يسمى بالمجلس الأعلى للإرشاد، وهو تنظيم خارجى مكون من أشخاص غير معلومين حتى للإخوان هنا فى مصر، وهؤلاء اختاروا 10 أشخاص فى مصر لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين». ولم يقل بهذا أحد من العالمين، وهذا اختراع من اختراعات وخيال الأستاذ عطوة وسنرى اختراعات أخرى.

يقول الأستاذ خليفة: «فلم يكن من مصلحة الحكومة والملك قتل حسن البنا، لأنهم كانوا قد تمكنوا منه تماماً واشتروه ليعمل لصالحهم».

ويتهم السيد خليفة مصطفى عطوة، الإخوان بقتل الامام البنا بعد أن أصدر بيانه المشهور «بيان للناس» وقوله رحمه الله تعالى، عمن قام باغتيال أو تخريب من الإخوان «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين».

وبعد مقتل الإمام البنا يقول الرجل نفسه «وكل قيادات الإخوان موجودة واقفة، ولم يقم أحد بنقله للإسعاف المركزى الذى يبعد خطوات، وادعوا أن مستشفى قصر العينى كان لديه أوامر بعدم إسعافه»، ثم يقول «ولم يحضر من قياديى الإخوان أو أعضاء الجماعة جنازته». وهذا القول يخالف كل التاريخ المعروف. وما قاله الأستاذ عطوة فى ذات الحوار من أن قيادات الإخوان كانت قد وضعت فى السجون والمعتقلات إلا الإمام البنا، إنما يدل على التناقض الواضح. إذ قال الأستاذ خليفة بالنص فى الحوار نفسه: «بعد أن أعلن الملك حل الجماعة، وبعد أقل من عشر دقائق خرج الإخوان من المقر العام فوجدوا أن المكان قد تم حصاره من جميع الجهات من قبل الحرس الحديدى للملك فاروق وأنهم وقعوا فى الفخ وتم القبض عليهم جميعاً، ما عدا حسن البنا المرشد العام ومؤسس الجماعة» فكيف يتفق هذا مع ما قبله؟ سؤال يحتاج إلى تفسير.

أما عن عمل خليفة مصطفى، بعد تخرجه من الجامعة، مع عبدالناصر رحمه الله تعالى فيقول «ثم جاءت عربة جيب عسكرية إلى منزلنا وركبت أنا وحافظ، ولم نكن نعرف إلى أين نحن ذاهبون، ففوجئنا بذهابها إلى مقر رئاسة الجمهورية، وقابلنا عبدالناصر وسألنا: ناجحين وبتقدير جيد!! ناويين تشتغلوا فين؟ فرد حافظ: إحنا مش عارفين لأن مستقبلنا انتهى. مفيش مؤسسة هتقبل بينا وإحنا رد سجون. فطلب «عبدالناصر» بالتليفون على صبرى وقال: العيال دى بلدياتك. فرد صبرى وقال للأسف يا ريس... فقال له عبدالناصر: خدهم شغلهم معاك. وفعلاً عملنا فى جهاز توثيق وتنقية المعلومات لمجلس الوزراء التابع لرئاسة الجمهورية، ثم فى مكتب السكرتارية الشخصى له لمدة 16 عاماً حتى وفاته». «وهذا الاعتراف الواضح يوضح بما لا يدع مجالاً للشك من هو الأستاذ عطوة، ولماذا لم يحاكم لو كان هو المتهم الثالث فى حادث المنشية؟ أما حافظ فهو متهم آخر كما يزعم الكاتب اسمه أنور حافظ.

وفى نفس المجلة وفى صفحة 34 قرأت للكاتبة مديحة عزت، وهى تتذكر بعض الذكريات من أيام حسن البنا وسيد قطب، عندما كانت طالبة فى المدرسة الثانوية. قالت عن سيد قطب: «إنه كان يكتب فى روز اليوسف، وكان إنساناً طيب الخلق وشريف المعاملة. وكنا نحب جداً سماع سيد قطب وحكايته عن حسن البنا وقصة حياته ونهايته الأليمة بالقتل». وتقول:وعندما سألناه عن الإخوان المسلمين والأقباط قال: كان عليه رحمه الله شاعراً وأديباً وكاتباً فى شئون مصر سياسياً قبل دينياً، وكان يقول لنا قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لهم نسباً وصهرًا