رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة تواجه أزمة


عندما نكتب عن الكنيسة لا نقصد كنيسة بذاتها فى منطقة أو دولة معينة وإنما أكتب عن الكنيسة العامة فى الغرب وفى الشرق سواء كانت كنيسة قديمة التاريخ أو حديثة الظهور، فمع مولد كنيسة العهد الجديد التى بدأت بدعوة من السيد المسيح وكان موازيا لها دعوة أخرى

قادها يوحنا المعمدان الذى أعلن أنه ليس فى مكانة المسيح أو مستواه، بل يصرخ بأنه ليس أهلا أن ينحنى ويحل رباط حذاء المسيح ومع ذلك لم يتوقف يوحنا عن رسالته ولم يطلب المسيح منه أن ينضم إليه كواحد من تلاميذه بل استمر فى رسالته إلى أن قطع هيرودس الملك رأسه ليرضى راقصة أعجبته وكان أجرها الذى طلبته رأس الداعية «يوحنا» الذى أفزع كل المؤمنين فى جيله، صحيح أن تلاميذ المسيح كانوا قد حاولوا أن يمنعوا يوحنا وتلاميذه من بعده من رسالته إلا أن المسيح رفض محاولاتهم، وكانت تلك هى واحدة من الأزمات التى بدت فى زمن المسيح من أقرب الأقربين، هذا غير أزمات أخرى كانت أشد وأقسى قادها اليهود وكهنتهم أولئك الذين واجهوا خطرا يهدد مكانتهم ويهز سلطانهم ويزلزل كراسيهم.

أما الأزمات الحديثة التى تواجه كنيسة اليوم فهى أزمات من خارجها وهى الأقل خطرا من أزمات داخلية تصب رسالتها فى مقتل وهى الأزمات التى نقصدها ونعرض لها فى هذا المقال وقد يكون لنا وقت آخر فيه نتعرض للأزمات الخارجية، وأول الأزمات الداخلية وهى حديثة المعالم يطلق عليها «البرجماتية» وهى فلسفة نفعية أى أننا نأخذ ما يناسبنا وينفعنا ويحقق أهدافنا دون اعتبار إذا كانت الأفكار أو الممارسات تتفق مع الدستور الأعلى والأكمل وهو الإنجيل أم لا، فإذا كان المنبر يصبح مسرحا يؤدى منه الوعاظ رسالة مصحوبة بالحركات والنغمات بأصوات حزينة أو دموع سخينة، فهذا ما يناسب ويؤثر فيهم بغض النظر عما إذا كانت الرسالة تتفق مع التعاليم التى يجب أن تصل إلى السامعين من عدمه.

والبرجماتيون لا يخجلون من التصريح بانتهاء عصر الوعظ التقليدى بدعوى تغير العصر وانتشار الوسائط الحديثة التى يبثها التلفاز أو عبر الإلكترونيات الحديثة والتى قد تجذب السامعين فينقلون من الحضور المادى ومع ما فى ذلك من مشقة أو خطورة، يضاف إلى ذلك إمكانية الاختيار بين وسائط متعددة وبرامج أكثر جاذبية، فتحاول الكنيسة أن تنافس تلك الوسائط ببديل أقرب من مدير الكنيسة وأكثر تأثيرا. والخطر الآخر هو انتشار أساليب التجارب الشخصية التى تقترب من تجارب السامعين وآلامهم وآمالهم وبذلك يعيش السامع فى تجارب تماثل تجاربهم وآلامهم ووسائل الخروج من الأزمات من خلال تجارب قد تكون مشابهة لتجاربهم حتى ولو خالف ذلك العقل وتعارض مع التعاليم الكتابية الإيمانية، أو تتشابه الاختيارات الشخصية وإن اختلفت فى بعض جوانبها مما قد يسبب ذلك صدمات وأزمات وفشلاً فى الحياة قد يعرض مصير الخدام أو يصيب السامعين والمشاهدين بصدمة.

أما الأزمة الأخرى فهى فى نظرية الشمولية دون الدخول فى الخصوصية فلا داعى لقوانين الإيمان أو التعاليم الإنجيلية التى لم يعد متمسكا بها أو الأقليات التى تركز على الفكر المصلح الذى بدأ مع القرن السادس عشر، إلا أن الفكر النهضوى الذى برز فى القرنين 18 و19 والمعبر عنه بـ«لاهوت النهضة» الذى بدأ مع فنى ومودى وآخرين فى عصرنا الحديث، بيلى جراهم وغيره، فانتقل فكر الكنيسة وأسلوب عبادتها من فكر القرن السادس عشر إلى كنيسة القرن الثامن والتاسع عشر وحتى يومنا هذا.

أما الأهم فهو مركزية الكتاب المقدس، والذى هو السراج الحى المنير والموجه للإيمان والأعمال، وعن الأزمات التى تحيط بالكنيسة من خارجها فسوف نتعرض لها فى المقال لامقبل بمشيئة الرب.