رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دستور يا سيادنا


لغتنا العربية غنية بالمعانى سخية المدلول حتى فى العبارات القريبة من العامية، فعندما يدخل الغريب ضيفاً كان أم صديقا إلى بيت من بيوت الأصدقاء يرفع صوته بعبارة «دستور يا سيادنا» حتى ينبه من بداخل البيت أن ضيفاً على الباب يهم بالدخول، فيستعد من بداخل الدار لاستقبال الضيف، فقد يكون من بداخل البيت فى ملابس لا تليق باستقبال الضيوف.

أما المدلول الأهم والأعم فهو ما للدساتير من قوة، فالدستور يمثل السلطة العليا فوق سائر القوانين الأخرى، حتى إن المشرع المصرى أوجد محكمة عليا أطلق عليها المحكمة الدستورية العليا التى يلجأ إليها المتقاضون إذا ما صدرت أحكام من أى جهة قضائية يرى فيها أطراف النزاع أن الحكم يخالف الدستور، وهنا يوقف التنفيذ لحين النظر فى حكم المحكمة الدستورية .

ودستورنا الأخير بما له وما عليه، فقد قضت المادتان 31، 36 من الباب الثانى الذى يحمل عنوان الحقوق والحريات، والفصل الأول منه المتضمن للحقوق الشخصية.

المادة «31».. الكرامة حق لكل إنسان، يكفل المجتمع والدولة احترامها وحمايتها.

ولا يجوز بحال إهانة أى إنسان أو ازدرائه.

المادة «36».. كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته بأى قيد، تجب معاملته بما يحفظ كرامته. ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه ولا حبسه إلا فى أماكن لائقة إنسانيا وصحيا، وخاضعة للإشراف القضائى.

ومخالفة شىء من ذلك جريمة يُعاقب مرتكبها وفقا للقانون ، وكل قول صدر تحت وطأة أى مما تقدم، أو التهديد بشىء منه، يهدر ولا يعول عليه.

ومع أن لنا رأياً على العديد من مواد هذا الدستور، ومحاولة واضعيه إنقاذ ما يؤمن به، ويحاول فرضه على كل المواطنين، لا سيما الجمع بين سلطات الدولة وواجباتها، وأفراد وجماعات المجتمع، كما فى المادة 31 والمتعلقة بكرامة الإنسان، إذ أناط كفالة الكرامة على الدولة والمجتمع ، بل قدم المجتمع على الدولة.

أما ما نراه على الملأ من إهدار عام وعلنى لكرامة المواطن الذى يدفع فاتورة الكهرباء، وغيره ممن لا يملك تياراً كهربائياً من الأصل، وبالتالى لا يجبر على سداد مقابل خدمة لا يملكها، إلا إذا كان المطلوب منه أن يساهم فى إنارة الشوارع التى يمر منها أو يقيم على قارعتها، فبمراجعة المادة 31 من الدستور المحتفى به، نرى كيف يلقى به خارج دائرة المعاملات، «يجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك خلال اثنتى عشرة ساعة، بينما يصرخ الآباء والأمهات على أولادهم المختفين فى أقسام أو معسكرات».

أما عن المعاملة فحدث ولا حرج، ومن ينكر ما يقال على ألسنة المعذبين، وذوى المتوفين، فيمكنه مراجعة المسحول علناً على مرأى ومسمع من الجميع، وليس فقط مرأى عابرى السبيل، فأين إذاً احترام الدستور الذى لم يجف حبره، وهتافات الاحتفال به يتردد صداها فى الآذان عبر القنوات المحلية والعالمية. هل لنا أن نصيح بأصواتنا وبكل لغاتنا «دستور يا سيادنا».

أما عن الدستور المجاز بأغلبية لا تتناسب وحجم مصر، فمحاولات قبوله من كل المصريين ما زالت قائمة رغم إجازته شرعياً ، وقد فرق الثوار بين شرعية البرلمان وشرعية الميدان، فالكل يشهد أن ثورتنا كسائر الثورات لا تصنعها الدساتير ولا القوانين التى هى من صنع الأنظمة الحاكمة.

أما شرعيتها القانونية فقد كانت ستاراً يشبه أوراق التوت، لا تستر عورات، ولا تقف أمام أشعة الشمس، أو رياح التغيير، إذ سرعان ما تسقطها الميادين لتحل بدلاً منها دساتير الحريات والكرامة والاعتداد بالذات، وهذا ما يرجوه ويتمناه كل مصرى مخلص محب لبلده، يحلم بإشراقة شمس الحرية تحت غطاء دستور يفتخر به كل المصريين، يحقق الحلم، ويحقن الدم، وينهض الهمم لبناء مصر الحديثة التى تستحق منا كل بذل وعطاء، وحب ووفاء ، وكلنا ينتظر تحقيق الحلم، ووقف نزيف الدم، فهل هذا بمستحيل؟ أم سنظل ننادى لأهل الدار الكبرى «مصر» ونقول «دستور يا سيادنا