رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يحدث فى مصر الآن؟!


إن مصر تحكم الآن بالطابع الانتهازى والاستغلالى من جماعة بعينها ترعى مصالحها الخاصة وتمارس تضليل الجماهير باسم النفع العام لتستر سوءاتها ولتدارى قدر ما تستطيع عيوبها ومن هنا استشرت النفعية وتعددت الأشكال التى اتخذتها لنفسها.

نجد من بين الفئة الحاكمة مع كل الأحداث الحالية التى تهدد أمن وإستقرار مصر من يخفضون أسعار الجنيه ليعلو الدولار الذى خزنوه وجمعوه أضعافاً مضاعفة فلما ارتفع سعره امتلأت جيوب أصحاب محال الصرافة من الإخوان والسلفيين، ورفعوا الضرائب بعد أن تواطأوا مع تجار الإخوان والسلفيين فامتلأت جيوبهم أضعافاً مضاعفة وأفلس الشعب فى غالبيته وأضحى يعانى نار الغلاء والبطالة وانخفاض قيمة الجنيه الشرائية وضغطوا على بارونات النظام السابق فباعوا لهم مصانع ومزارع وضيعاً وأملاكاً بثمن زهيد، اختطفوا ثروة البلد واقتصاده بعد أن اختطفوا ثورته ونسبوها زوراً وبهتاناً لهم وهم ما أبعد فكرهم وسلوكهم عن الثورات وأدبيات الثورة التى يرونها شراً مستطيراً وفتنة وقلاقل!.. وجاءت الحصيلة فيما بعد خراب وتدمير وقتل وطوارئ هنا وهناك.. وما الأحداث الحالية سوى ثمرة هذه الأفكار.

وهكذا وجدنا بعد الثورة أشخاصاً منهم ينعمون بكل ألوان الثراء والجاه والنفوذ والسلطان ونجد فريقاً منهم يعبثون بكل القيم ويسخرون من كل المقدسات الأخلاقية والقيم الديمقراطية ولا يتوروعون عن الكذب حتى أضحوا يكذبون كما يتنفسون ويأتون بكل مشين ونجد رؤوساً فارغة إلا من فعل الموبقات السياسية والاقتصادية والأخلاقية وهم يتمسحون بالدين ونجد أصابع عاجزة إلا عن توزيع الغنائم والثروات من الضحك واستغفال هذا الشعب المكلوم بسرقة ثورته التى انقلبت وبالاً عليه ونجد أجساداً خاملة إلا عن الكذب المباح وغير المباح والخداع الصداح مساء صباح ونجد أحاسيس جامدة إلا مع العبث بمقدرات الشعب وأمنه القومى والعبث مع الشيطان الداخلى والإقليمى والخارجى نجد كل ذلك متفشياً كالحمى فى مجتمعنا ويا للأسف ما بعد الثورة.

والشىء الذى يزيد الطين بلة هو أن هذه الرءوس الفارغة وهذه الأصابع العاجزة وهذه الأحاسيس الجامدة هى التى تتحكم فى مصير الناس لأن عندها الرئاسة ومجلس الشورى والتحكم فى الاقتصاد ما جعلها قادرة على هذا التحكم وهم يولون الحكم هم أنفسهم أو يولون غيرهم عنهم وهم على حظ من الفطنة بالمنفعة وشعور بالمغنم يجعلهم متساندين مهما دب بينهم من خلاف ليحموا وجودهم الهزيل أمام جماهير الشعب الصاخبة من المحتاجين والمعوزين وطالبى الحرية والكرامة، وإلى جوار هذا الرغد وهذه التخمة فى وقت قياسى وهذا الإسراف فى الغلو والترفع والمكابرة بالكذب واتباع استراتيجية الإنكار لكل ما هو مرئى رؤى العين هناك الشعب الطيب المسكين أو البقرة الحلوب التى حلبوها بالغلاء والضرائب والاستغلال والاستغفال يرزح تحت وطأة المرض والفقر والجهل والحاجة والبطالة والتضليل.

هذا الشعب هو الضحية لذلك الفريق الذى أوهم بعضهم بالرضاء بالذلة والفقر والرضاء بأن يحكموهم باسم الدين للمضللين والفقراء والمستغفلين والمحرومين لهم الآخرة والثراء فيها وحور العين، فما لهم ومال الدنيا وهى مجرد معبر وممر وهى ليست كذلك لهؤلاء الذين يبيعون الضلال والأكاذيب باسم الدين وأمن بعض من الشعب الذى حرموه القراءة والكتابة وبثوا فى أذنيه سمهم بتلك الكلمات المدوية باسم الدين فضلوا وضللوا وخدعوا هذا الجزء من الشعب الطيب من الأسر فى المدن والقرى ظن أربابها أنهم قادرون على أن يشاركوا فى الكفاح بإتاحة الفرصة لهؤلاء وهكذا كان البعض من الشعب معتبراً بمجموعة فريسة للتضليل ضللوه بالأحزاب الدينية وبالشريعة وضربوا له الأمثال من دون الدنيا دون أن يذكروا له الفروق بين القرون الأولى من عهد النبى ــ صلى الله عليه وسلم ــ وبين طبيعة حياته هو الآن وتاهوا به فى أمثلة بعيدة لخداعه عن واقعه الرهيب.. وانطلقت عليه الحيلة زمنا حتى انكشف له أمرهم فعرف أن الاتجار بالدين بلاء وضللوه بالانتخابات المزيفة يلهونه ويرشونه ويفرقونه ونجحوا فى خلق الانقسامات والعصبيات القائمة على بث روح الفتنة وإشاعة الثأر والانتقام.

وأخذ الإخوان عبر تنظيمها الرجعى وتحكمها فى جميع الوزارات والإدارات تنشئ الناشئة على هواها دخلت على الطلبة حياتهم المدرسية ووصلتهم بها تغريهم بالانتماء إلى جماعتهم وعشيرتهم ولجانهم الحزبية وتنقدهم المال أجراً على ما يفعلون من أجلها وتلوح لهم بالوظائف المرتقبة وبالكراسى فى مجلسى النواب ومجالس المحليات بعد أن يتخرجوا فى مدارسهم وكلياتهم إن قدر لهم التخرج.

وعلى مر الأيام يصبح الحدث الصغير محترفاً من محترفى السياسة ينخرط فى جماعتهم الخفية وحزبهم المعلن كلافتة مهترئة للجماعة لا سعياً إلى هدف وطنى بل جرياً وراء غايات الدنيا باسم الآخرة! وكما أفسده الإخوان صغيراً يفسدونه كبيراً وإذا دنياه التى كانت بالأمس القريب لا تتجاوز فى الإفساد غيره ونفر قليل من الناشئين حوله تصبح دنيا أخرى أفسح آماداً وأوسع آفاقاً، دنيا لا تمت بالإصلاح بصلة ولا الثورة بخير ولكنها دنيا الرشوة وإفساد الذمم وإرهاق الضمائر والعبث بالإرادات.

وإذا أمر الناس من حولهم فوضى لا مجال فيه لذى خلق ولا موضع فيه لمن يرجو خيراً وإذا الحياة فى ظل حكم الجماعة بيع وشراء، والخاسر الوطن والمجتنى عليه الأخلاق التى يتخذونها أغنية وموالاً صبح مساء وحين ينامون وحين يصبحون!! وإذا الناس تصحو من ثورتها المسروقة على أحزاب تقوم على الكراهية والنفرة لا على الألفة والمحبة أحزاب تتخذ من الدين عنواناً ويافطة ليس إلا أحزاباً متأسلمة تبيت وتصحو على التآمر والمغانم لا على نفع الوطن ونفع أبنائه وإذا الخارجى الأمريكى والإسرائيلى السعيد بممارساتهم يذكيهم ويعلن انتصاره لهم ليحقق ما يريد من بسط سيادته، كما يحلو الجو لكل غانم يجمع ما وسعه الجمع من غنم.

.. إن مصر تحكم الآن بالطابع الانتهازى والاستغلالى من جماعة بعينها ترعى مصالحها الخاصة وتمارس تضليل الجماهير باسم النفع العام لتستر سوءاتها ولتدارى قدر ما تستطيع عيوبها ومن هنا استشرت النفعية وتعددت الأشكال التى اتخذتها لنفسها.

■ أستاذ العلوم السياسية