رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النيابة العامة .. ودورها فى حماية المتظاهرين والمجتمع


تعد النيابة العامة بصفة أصلية ممثلة عن المجتمع بتحريك الدعوى الجنائية، وتختص وحدها بمباشرتها لأنها الوكيل عن الهيئة الاجتماعية وتشمل سلطتى التحقيق والاتهام بتحريك الدعوى الجنائية باعتبارها وكيلا عن الجماعة ولها فى سبيل تحقيق وظائفها سلطات وصلاحيات واسعة ليست مقررة لشخص النائب العام أو أعضاء النيابة العامة عموما.

بل هى مقررة لصالح المجتمع وهذه السلطات مستمدة من المجتمع والشعب باعتباره مصدر السلطات لتحقيق المصلحة العامة وتعد خصما شريفا فى الدعوى إذ لها الحق أن تطعن فى الحكم لصالح المتهم إذا ما ارتأت صالح المتهم وذلك باعتبارها خصماً شريفاً وممثلاً لصالح الجماعة، وهى فى سبيل أدائها لمهامها عدة خصائص منها التبعية التدريجية وهى خضوعهم فى مباشرة أعمالهم للإشراف والرقابة الإدارية من قبل رؤسائهم على أعضاء النيابة.

هو توجيه تعليمات وتوجيهات إلى مرءوسيهم من أعضاء النيابة ولوزير العدل حق الرقابة والإشراف والتوجيه الإدارى بشأن أعمالهم، وهى تختلف عن القضاء حيث لا يخضع القاضى فى مباشرة عمله إلا لسلطان ضميره.

ولا يملك أحد بالتالى أن يمارس عليه أى إشراف أو توجيه، كما تتميز بعدم القابلية للتجزئة وأعضائها وحدة واحدة فيتصرنون فيها كأنهم أعضاء فى جسد واحد والحكمة من ذلك باعتبارها تمثل مصلحة المجتمع ولصالحه، وكانت النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة التنفيذية إلى أن تطورت هذه الفكرة وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من السلطة القضائية وجاء الدستور الجديد مؤكدا على ذلك.

ووفقا لهذا فقد شاهدنا الأحداث المؤسفة التى شهدتها الساحة السياسية من تعد سافر على المظاهرات والمسيرات السلمية والتى كانت تعبر عن الحرية والديمقراطية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والمطالبة بالكرامة الإنسانية إلا أننا شاهدنا مندسين ومخربين يعتدون على المواطنين الأبرياء من أبناء هذا الوطن الشرفاء بالقتل والتعذيب والإصابات بالعاهات المستديمة والسحل بل يصل الأمر إلى تعرية المواطنين وفضح أعراضهم علنا أمام الرأى العام.

ومن هنا يأتى دور النيابة العامة فى حماية أبناء هذا الوطن وحماية حقوق الإنسان والحفاظ على كرامتهم وآدميتهم وفقا للدستور ومواثيق حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية والإقليمية، وذلك باعتبار أن النيابة العامة ممثلة عن المجتمع والجماعة فى تحريك الدعوى الجنائية، وتشمل التحقيقات مع مرتكبيها ومحرضيها إيا كان مرتكبيها ومحرضيها.

فلا أحد فوق الدستور والقانون والشرعية، وتحريك الدعوى الجنائية قبلهم بما لها من سلطة اتهام، فهذه الجرائم المرتكبة فى حق أبناء هذا الشعب وفقا للدستور فى المادة 80 منه أنها جريمة لا تسقط بالتقادم سواء على الدعوى الجنائية أو المدنية وتمارس النيابة العامة جميع سلطاتها وفقا لأنها اعتداء على الحقوق والحريات العامة التى كفلها الدستور الصادر فى ديسمبر 2012.

وما أثار استهجاننا جميعا وأحزاننا على مقتل خيرة الشباب المكافح الذى يسعى إلى العيش الكريم ويضمن حرية وعدالة اجتماعية الذى أصابه القتل والسحل وهو ما أوجعنا من اعتداء على كرامة إنسانية وافتقاد آدمية، والأدهى من ذلك وما أدهشنا أن يقف المجلس القومى لحقوق الإنسان عاجزا عن الرد تجاه تلك الممارسات اللاإنسانية من القمع والسحل بل وتعرية المواطنين وفضح أعراضهم، هل هذا دور المجلس القومى لحقوق الإنسان اتباع سياسة الصمت تجاه ذلك؟

هل هذا ما نصت عليه المادة 80 من دستور مصر 2012 الذى ترأس جمعيته التأسيسية رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان واضع نصوصه، هل هذا دوره، الصمت؟ هل هذا ما نصت عليه المادة 80 من الدستور بتقديم البلاغ إلى النيابة العامة عن الانتهاكات المرصودة عن حقوق الإنسان والانضمام إلى مصلحة المضرور فى الدعوى المدنية بل يصل الأمر إلى سلطة الطعن على الأحكام، هل أدى دوره المنوط به؟ أم أن الدستور لم يدخل حيز النفاذ بعد بمجرد استفتاء الشعب عليه؟، على كل حال فالدستور وقانون السلطة القضائية أعطى الحق إلى النيابة العامة بممارسة دورها تلقائيا دون شكوى أو بلاغ من أحد فهى ممثلة المجتمع كله وتحمى المصلحة العامة ولها الحق فى تحريك الدعوى الجنائية ومباشرة التحقيقات والاتهام لكل من تسول له نفسه تحليل الدم المصرى.

فالدم المصرى غال على كل مصرى شريف فلن يفقد إلا فى الأغلى منه وهو تراب هذا الوطن المقدس، فمن المعهود دستورا ووفقا لقانون الإجراءات الجنائية وقانون السلطة القضائية أن الدعوى الجنائية تمارس النيابة العامة سلطاتها وهيمنتها عليها ولا يحدها أى قيد إلا وفقا للقانون، ولا يجوز التنازل عنها أو سحبها، وفى الواقع أن جرائم السحل التى تعرض لها المواطنون وكانت ثابتة يقينا فهى جريمة فى حق المجتمع بأسره وليست ملكا للمضرور الذى وقعت عليه.

ومن ثم إذا باشرت النيابة العامة حقها وهيمنتها من تحقيقات واستدلالات ومعاينات واستجوابات وكانت الواقعة ثابتة فلها أن تحركها وتطالب بتوقيع أقصى العقوبة على فاعلها فلا يقيدها تنازل المضرور عنها فالتنازل يقتصر على الحق المدنى لشخصه فقط دون المجتمع بأسره الذى أصابه الاستياء والجرح بين ضلوعه والغضب العارم من هذه الواقعة السافرة التى يندى لها الجبين.

لذلك اقتصر التنازل عن الحق المدنى فقط للمضرور دون حق الجماعة الذى لا يقبل التنازل خشية أن يتعرض حق المجتمع لإكراه أو مساومات فيضيع معه حق الجماعة فى ظل دولة سيادة القانون، ونأمل أن يضطلع المجلس القومى لحقوق الإنسان بمسئولياته تجاه حقوق الإنسان