رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النفوذ الإيراني في الولايات المتحدة


تقوم استراتيجية إيران على نظام الأذرعة، فتُحقق بواسطتها أهدافها وتصل إليها، فالهدف الاستراتيجى لإيران هو السيطرة على العالم واستعادة الإمبراطورية الفارسية، وكأن التاريخ لم يتغير ولم يتبدل، فإذا حصلت الأذرعة على مكاسب، فإنها تتمتع بها، وإذا حدثت مخاطر تعرضت لها تلك الأذرعة.

ومن أهم أذرعتها: الميليشيات العسكرية، مثل حزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، والحشد الشعبى فى العراق، وهذه الميليشيات يشترط ألا تكون إيرانية حتى إذا وقع عليها الانتقام لا تتعرض إيران للمخاطر.



فحينما تضرب اسرائيل، فهى تضرب فى العرب الشيعة بلبنان والدمار على أملاك الشعب اللبنانى، وإذا قصف التحالف، قُصف العرب فى اليمن ووقع القتل فى الشيعة العرب والدمار فى اليمن، وإذا تعرض الحشد الشعبى للانتقام، وقع ذلك على الشيعة العراقيين والدمار فى الممتلكات العراقية - وبذلك تنجو إيران من القتل والدمار.. لهذا تنبه إلى ذلك فى العراق مقتدى الصدر، وفى لبنان الشيخ محمد الأمين.

أما الأذرعة الدينية فتتغلغل فى المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، من خلال المنابر الدينية والمنابر الثقافية، وهناك الأذرعة الإعلامية، فتمتلك إيران عشرات القنوات الفضائية و الإذاعية، بالإضافة إلى مراكز تتعامل مع وسائل التواصل الحديثة، وهناك أذرعة إلكترونية تتولى قصف المواقع الإلكترونية وتعطيل المؤسسات فى الدول المستهدفة من خلال الفيروس للتدمير، والهاكر لسرقة المعلومات، ولعل أكثر الأذرعة أهمية هى الأذرعة الدبلوماسية، وهذه الأذرعة تنتشر فى أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول، ولعل أكثرها أهمية «اللوبى الإيرانى» فى أمريكا، فقد اتخذت إيران من واشنطن مركزًا تنطلق منه اللوبيات فى كل أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.

بدأت بإنشاء مركز لها فى شارع «سيفين لكسى seven lucks» بضواحى واشنطن، وبمدينة بوتوماك ميرلاند على مساحة تتجاوز الثلاثة ايكر، لأن القانون الأمريكى يعطى لهذه المساحة امتيازات خاصة، فمن حق المالك أن يرعى فيها الخيول وأن ينشئ بها المؤسسات والمعاهد، وحتى إطلاق النيران، وجعلت من «بهرام ناهيديان» بأنه مسئول عن ذلك المركز وأطلقت عليه المركز الإسلامى.

فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، عمدت إيران إلى تشكيل مجموعة ضغط فى واشنطن، من أجل حشد الدعم لمصالح نظامها الحاكم، مجموعة مستقلة، لأن أمريكا عبارة عن سوق كبير يربح فيه من يُجيد قواعد اللعبة، فركز الإيرانيون على فهم قواعد اللعبة وأتقنوها، وركزت بشكل خاص على الاقتصاد والسياسة.

بدأ اللوبى الإيرانى بالعمل فى عهد رافسنجانى، وتعاظم دوره فى عهد خاتمى، لكنه تراجع قليلًا فى عهد أحمدى نجاد، ثم استعاد نشاطه فى عهد روحانى الذى وصل إلى السلطة فى يونيو من عام 2013، عندما قام بزيارته الأولى للولايات المتحدة بعد توليه الرئاسة، فاجتمع بالجالية الإيرانية المؤيدة للنظام فى أمريكا وركز على الدور الوطنى، وأن تقوم مجموعات الضغط الإيرانية بالتأثير على الرأى العام الأمريكى،

ركز اللوبى الإيرانى نشاطه داخل مراكز الأبحاث، والمؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى مواقع صُنع القرار فى الولايات المتحدة، ويعمل اللوبى الإيرانى من خلال مؤسسات غير حكومية، ومنظمات سياسية ومدنية، وشركات تجارية، لها مصالح اقتصادية مشتركة مع النظام الإيرانى.

تحرك اللوبى الإيرانى من خلال الشعارات الإنسانية، فيدعى أنه لا يُمثل أى وجهات رسمية فى طهران، وإنما يعمل من خلال مجموعات ومنظمات تنشط تحت عناوين منظمات حقوقية، ومجموعات مناهضة للحرب، والمطالبة بإعادة العلاقات مع إيران تحت شعار «السلم والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وحقوق الإنسان».

والمعروف أن اللوبى هو عبارة عن مجموعة ضغط سياسى واقتصادى واجتماعى وإعلامى، يعمل للتأثير على قرارات الدول المعنية والرأى العام فيها، وتقديم الدعم المادى والمعنوى والفكرى للجهة التى تُمثل مصالح اللوبى، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية، وتعمل على تلك المستويات، وفق خطة دقيقة ومُحكمة وعبر تخطيط شامل، يتزامن مع مراحل تنفيذ الأهداف المرسومة، وكى يتحاشى الصدام مع اللوبى الإسرائيلى، فقد اختار أن يكون بعيدًا عن الأضواء.

وإذا عدنا إلى اللوبى الإيرانى، نجد أن مركز كارنيجى يقول بأن عدد الإيرانيين المقيمين فى الولايات المتحدة يتجاوز الثلاثة ملايين نسمة، فنصفهم ولد فى أمريكا وتصل ثروات الإيرانيين إلى 400 مليار دولار، واللوبى الإيرانى ينقسم إلى قسمين: الأول يعمل فى الإعلام الأمريكى، بالإضافة إلى المنظمات البحثية، ويتركز نشاط هؤلاء على الكونجرس الأمريكى، أما الثانية فهى مرتبطة بصناعة النفط، وهذه المجموعة استطاعت أن تعثُر على مصالح مؤثرة تتركز على المنافع المالية بشكل مباشر للمؤثرين فى السلطة.

فمن هو مهندس اللوبى الإيرانى؟ فى حديث صحفى أجراه موقع «فرونت بيج» الأمريكى مع السياسى الإيرانى «حسن ديوليسلام» عن اللوبى الإيرانى، كشف عن أن مهندس اللوبى الإيرانى هو «صادق خارازى»، نائب وزير الخارجية الأسبق، والذى كان يعيش فى الولايات المتحدة سبع سنوات، وهو المُصمم للوبى الإيرانى، والدكتور صادق سياسى ودبلوماسى وصحفى إيرانى، كان مستشارًا للرئيس الأسبق محمد خاتمى، وعمل على تنسيق الملفات لتحسين العلاقات الأمريكية- الإيرانية.

وفجأة برز دور المجلس الوطنى الأمريكى الإيرانى، الذى أسسه الباحث الأمريكى الإيرانى الأصل «تريتا بارسى»، الذى تولى رئاسة اللوبى الإيرانى، وتريتا، باحث فارسى يحمل الجنسية السويدية ويعيش فى أمريكا «هو الرئيس» ولايزال - ويُعتبر من أهم الخبراء فى مجال العلاقات الإيرانية الأمريكية والجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، وحصُل على الدكتوراه من جامعة «جونز هوبكنز».

ومن خبرته استطاع التعرف على المنح الدراسية التى تقدمها الجامعات الأمريكية، ليطلب من إيران إرسال رموزها تحت ستار الدراسة للتعرف على قواعد اللعبة الأمريكية، فانخرط العديد ومن بينهم ثلاثة نواب لوزراء الخارجية.

وللوبى الإيرانى مؤسسات، من أهمها مؤسسة «بيناد علوى»، ومقرها فى نيويورك، أسسها شاه إيران عام 1973، وكانت تحمل اسم «بيناد بهلوى»، وسيطر عليها فيما بعد جواد ظريف، عندما كان سفيرًا لإيران بواشنطن، وهناك مؤسسة «أمريكان إيرانيان أورنج»- أى المجلس الوطنى الإيرانى الأمريكى - ومن أهم رجاله «شيانغ أمير أحمدى»، وهذا اللوبى من شأنه تنظيم زيارات متبادلة للرموز الإيرانية، وقد رتب هذا اللوبى زيارات لجواد ظريف، التقى خلالها بعضًا من أعضاء الكونجرس فى واشنطن، لحثهم على تأييد الاتفاق النووى.

وهناك أفراد إيرانيون كوَنوا لهم جماعات للضغط من أهمهم «سحر نور وزيان»، وهى التى وصلت إلى أن تكون مستشارة الأمن القومى الأمريكى، فقد كانت تعمل لصالح إيران ورعاية مصالحها فى أمريكا، وكان لها دور فى إنجاح الاتفاق النووى.

لقد كان عدد من أفراد اللوبى فى البيت الأبيض، فكانوا الأكثر تأثيرًا على الرئيس أوباما، لهذا- كان أوباما ينخدع لتأثيرهم ويُنفَذ كثيرًا من أهوائهم.