رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السيسى وترامب.. وإشكالية تصنيف «الإخوان»


بعيداً عن لقطات الترحيب التى توجتها لقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع نظيره الأمريكى دونالد ترامب فى البيت الأبيض، وما تبعها من إعادة المحورية فى العلاقات الأمريكية المصرية بعد سنوات من التدهور، خاصة فى فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، عاد العنوان العريض «مكافحة الإرهاب» ليجمع البلدين مرة أخرى فى ظل ما يتهدد العالم من مخاطر لا يسلم منها أحد.



وربما جاء الحادث الإرهابى فى تفجير مترو سان بطرسبرج الروسية، والذى خلف 60 ما بين قتيل وجريح، بالتزامن مع لقاء الرئيسين، ليكشف بوضوح الرسالة المعنوية ـ على الأقل ـ لمغزى أهمية الإجماع على هذه الحرب، التى يبدو واضحاً أن مصر تخوضها منفردة فى شمال سيناء، وتنجح تدريجياً فى الحدِّ من خطورتها، فى الوقت الذى يتواجد فيه منذ 5 سنوات تقريباً تحالف دولى من 60 دولة تواجه إرهاب داعش فى سوريا مثلاً دون أن تقدم جديداً ملموساً على الأرض.

إدارة ترامب تدرك جيداً أهمية مصر إقليمياً وثقلها فى أى مواجهة فعلية، ومصر قدمت الدرس الأغلى والنموذج دولياً لحقيقة المواجهة، دون «هيصة ولا زمبليطة»، وأعتقد جازماً أن توقيت تفجير مدينة سان بطرسبرج ليس صدفة أبداً، سواء بالنسبة للرئيس الروسى بوتين، الذى كان يلتقى فيها نظيره البيلاروسى الكسندر لوكاشينكو، أو بالنسبة لما يترقبه الجميع على بُعد آلاف الكيلو مترات فى العاصمة واشنطن، وما قد يتمخض عنه بالتأكيد من إجراءات محددةـ لم يتم الإفصاح عنها بعد ـ فى محادثات السيسى/ ترامب.

من هنا أيضاً، يمكن فهم تسريب أفكار عما يُعرف بـ«ناتو عربى» بمشاركة أمريكية، مع مصر والأردن، ومعهما الإمارات والسعودية وربما البحرين والمغرب، كنواة لاعتماد استراتيجية إقليمية جديدة، تتولى صياغة معادلة واقعية لمواجهة التنظيمات الإرهابية بشكل موسع فى المنطقة، سيكون منها ضمنياً جماعة الإخوان، دون الإعلان الأمريكى الواضح والصريح بتصنيفها ضمن الجماعات الإرهابية، كما أفصح بذلك الرئيس ترامب بنفسه خلال حملته الانتخابية، ويبدو أنه تراجع عنه مرحلياً.

ولأن كثيرين لا يفهمون طبيعة الشخصية السياسية الأمريكية، أعتقد بل متأكد من أنه لا الولايات المتحدة ولا بريطانيا سيجرؤان على الإعلان الرسمى بأن الجماعة إرهابية، لعدة أسباب: أولها أن النخبة السياسية المؤثرة فى البلدين لها منطق آخر غير منطقنا نحن، لأنهم يترجمون الإرهاب على أنه فعل إرهابى، وليس مجرد أفكار أو كلام يعتبرونها حقاً للتعبير والرأى، والثانى: أن شبكة علاقات الجماعة تتغلغل بشكل غير رسمى هناك دون أن يكون هناك فعلاً كيان للجماعة يمكن مؤاخذته أو حسابه، والثالث، أنهم ـ خاصة فى بريطانيا ـ أسرى أرصدة الإمبراطورية المالية لعناصر التنظيم وداعميهم، ويخشون فقدانها، وكلنا نذكر ما قاله القيادى الإخوانى يوسف ندا، لقناة «الجزيرة» من أن بريطانيا لا تقوى على اتخاذ موقف ضد الجماعة، وأن 90% من عناصر الجماعة يحملون الجنسية البريطانية وأصبحوا جزءاً من النسيج هناك، واى قرار حولهم يحتاج لتغيير قانونى، وهذا صعب جداً.

أما الرابع والأهم، فهو أن كلا من أمريكا وبريطانيا لن يتسرعا فى تصنيف هكذا، بل يضعانه كـ«كارت» فى جيوبهما يلوحان به وقت الحاجة.. والأخطر من ذلك أن الطرفين يتغاضيان تماماً عن أهم الأطراف الداعمة والممولة والراعية للتنظيمات الإرهابية، وهما قطر وتركيا، لذات السبب غير المعلن.!

علينا أن نعرف أنه رغم ميل ترامب ـ ومعه عدد من أقطاب حكومته ـ لإصدار أمر تنفيذى باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، إلا أن هناك عدداً غير قليل فى بعض مراكز القرار أو الأبحاث النافذين يمنع ذلك، مع علمهم أن الإخوان هى أصل الإرهاب فى المنطقة منذ نشأتها عام 1928.. ولكنها معادلات السياسة البراجماتية المعقدة.

فى رأيى، أن الإدارة الأمريكية ستكتفى بالتضييق غير المعلن على أنشطة الجماعة التى ستدخل مرحلة «التشرنق» والكمون مؤقتاً بانتظار معطيات جديدة تخرجها من حالة «العدو المشترك» وهو الإرهاب، إلى معادلة أخرى قد تعيد لهم قبلة الحياة سياسياً على الأقل، وهذه الأخيرة أستبعدها فى الوقت الراهن.