رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمة العربية.. من الاجتماعات التحضيرية إلى البيان الختامي


تختلف قمة البحر الميت عن سابقاتها من القمم فى عدة أمور، من أهمها أن هذه القمة جاءت بعد انتخاب الرئيس ترامب، وتغيير الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، كما أن هذه القمة تشهد التحول الإيرانى من الهجوم إلى الدفاع ومن الدفاع إلى التراجع، الذى بدأ من انطلاقة عاصفة الصحراء، وشهد تراجعًا لها فى العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.


ففى اليمن أثبتت إيران أنها لا تستطيع أن تقف مع عملائها الحوثيين إلا بالإمداد بالصواريخ والمعدات والمخدرات، وفى لبنان هُمشَّت إيران سياسيًا، عندما تماسك الصف المسيحى والصف الإسلامى، وتحالفا معًا مُسيطرين على رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وفى العراق أصبح القرار فى يد القوات الأمريكية التى عادت تدريجيًا إلى العراق، وأكدتها زيارة وزير الخارجية السعودى عادل الجبير إلى بغداد، وفى سوريا تعانى إيران من أزمة إيقاف إطلاق النار والتسوية السياسية التى تُرغمها مستقبلًا على الانسحاب، مما يجعلها فى موقف حرج مع شعبها الذى قُتِل منه الآلاف وأنفقت من جرائه المليارات دون أدنى ثمن، ففضلت أن تؤسس لها قواعد على الشواطئ السورية لتكون مبررًا لتدخلها، لكن ذلك لا يُجدى.

كما تأتى هذه القمة وسط أجواء أعيد فيها ملف المبادرة العربية إلى الطاولة السياسية، كى تتم التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولابد من اتفاق بين الدول العربية على دعم القضية الفلسطينية، ولأول مرة يجتمع القادة العرب وفى ظل هدف استراتيجى واحد، هو الأمن القومى العربى.

ولأن اجتماعات القمة عادة ما تناقش فيها القضايا الاستراتيجية، لهذا عُقدت القمة للبحث فى الملفات السياسية والأمنية العليا المتعلقة بالإرهاب والأمن القومى، إضافة إلى العلاقات العربية إقليميًا ودوليًا، وتصدرت القضية الفلسطينية بنود جدول الأعمال وجهود السلام والمبادرة العربية، وأهمها تسويقها والتطورات الخطيرة فى مدينة القدس.

وقد قدم الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط ثلاثة تقارير، ناقش أولها تطورات العمل العربى المشترك خلال المرحلة الحالية، وعلى رأسها تطورات القضية الفلسطينية والتعامل مع الأزمات فى كل من سوريا، وليبيا، واليمن، وتدخلات الأطراف الإقليمية «إيران» فى الشئون الداخلية العربية وصيانة الأمن الإقليمى العربى ومكافحة الإرهاب، والتأكيد على أبرز التطورات، وعمل أُطُر التعاون العربى مع الأطراف الدولية الفاعلة، ومن أهمها التعاون العربى الإفريقى والتعاون العربى الأوروبى، والتفاعل مع المنظمات الدولية والإقليمية. أما التقرير فقد تناول تطور التعاون الاقتصادى والاجتماعى والتنموى العربى المشترك بما يشمله من مخاطبة الجهود الرامية لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وإنشاء الاتحاد الجمركى العربى، وتحقيق الأمن الغذائى العربى، وتحقيق الأمن المائى، والبيئة، والطرق ، والمواصلات، والتكنولوجيا .

أما التقرير الثالث، فقد تعرض لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وهو ما يشمل عرض أبعاد التقرير الذى أعد من قبل لجنة الحكماء العرب، والتى سبق أن شكلها الأمين العام بهدف طرح مقترحات حول كيفية إعطاء دفعة للجهود العربية فى مجال نزع السلاح النووى.



لم تكن قمة واحدة فى الأردن، بل تزامنت قمتان، قمة أردنية سعودية، وقمة عربية، فقد غادر الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين بعد أن أعرب قبيل مغادرته أجواء المملكة العربية السعودية عن قوله فى مجلس الوزراء السعودى، إن بلاده تتطلع إلى أن تحقق القمة العربية تعاونًا جادًا وتكاتفًا وتعاضدًا من جميع الأشقاء تجاه مختلف التحديات التى تواجه الأمة العربية.

كما أن اللجنة الوزارية المعينة قامت بمتابعة تطورات استمرار تدخلات إيران الأخيرة فى الشئون الداخلية للدول العربية، مستنكرة التصريحات الاستفزازية المستمرة من قبل المسئولين الإيرانيين ضد الدول العربية، كما استنكرت ما تقوم به إيران من تأجيج الصراع الطائفى والمذهبى، واعتمدت اللجنة التوصيات الصادرة عن فريق الخبراء بهدف وضع خطة تحرك عربية من أجل التصدى للتدخلات الإيرانية.

كان من أبرز المظاهر فى مؤتمر القمة الاستثنائية التى عُقدت فى الأردن، صورتان مُعبرتان لخادم الحرمين الشريفين، الأولى: خادم الحرمين يُرحب بالرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى وابتسامة الرضا تلوح فى وجهيهما، وكأنهما يقولان لا خلاف بين الشقيقين، والثانية: السير فى ردهة المكان الذى عُقد فيه المؤتمر وهو مُمسك بيد رئيس الوزراء العراقى الدكتور حيدر العبادى، ويرسل بذلك رسالة إلى إيران، أن العراق أصبح فى قبضة الأمة العربية، وقد انتزعناه من الفُرس الذين استعمروه وحررناه إلى الأبد، وبعد انعقاد المؤتمر بجلستيه العلنية حيث ألقيت فيها كلمات الرؤساء والجلسة السرية التى دار فيها الحوار حول ما تقدم به وزراء الخارجية العرب وصدر فى نهاية المؤتمر البيان الختامى الذى عرف باسم «إعلان عمان» مساء الأربعاء 30 مارس 2017، أدان فيه التدخلات الإيرانية فى الدول العربية، وشدد على التمسك بالمبادرة العربية وحل الدولتين لتسوية القضية الفلسطينية، وطالب بالعمل على صياغة استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا وفكريًا.

كما أكد الإعلان أهمية بحث التحديات التى تواجه الأمن القومى العربى وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهتها، بما يحفظ وحدة بلداننا العربية للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطين، وإعادة تأكيد حق دولة فلسطين بالسيادة على كل الأراضى الفلسطينية المحتله عام 1967م.

وشدد القادة العرب على تمسك دولهم والتزامها بمبادرة السلام العربية، كما طرحت فى قمة بيروت 2002 م، وعلى أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجى، وأن الشرط المسبق لتحقيقه هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لكامل الأراضى الفلسطينية والعربية التى احتلت عام 1967 م، وتمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقوقه بما فيها حق تقرير المصير، وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة، وإطلاق سراح جميع الأسرى من سجون الاحتلال، مع حل قضية اللاجئين الفلسطينيين استنادًا إلى القانون الدولى، وقرارات الشرعية الدولية وما صدر من قرارات القمم العربية المتعاقبة، ومبادرة السلام العربية.

لقد طالب الإعلان المجتمع الدولى بإيجاد الآلية المناسبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2234 لعام 2016 م، الذى أكد أن الاستيطان يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى وعقبة فى طريق السلام ومطالبة إسرائيل بالوقف الفورى والكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فى ذلك القدس، ورفض ترشيح إسرائيل لشغل مقعد غير دائم فى مجلس الأمن لعامى 2019 و2020م باعتبارها قوة احتلال.

ودعا إعلان عمان إلى زيادة رأسمال صندوقى الأقصى والقدس بمبلغ 500 مليون دولار، ودعم موازنة فلسطين لمدة عام تبدأ من إبريل وفقًا لآليات قمة بيروت 2002، وأكد على المسئولية العربية والإسلامية الجماعية للقُدس، كما طالب الجهات الدولية وهيئات حقوق الانسان بتحمل مسئولياتها بتدخلها الفورى والعاجل لإلزام إسرائيل بتطبيق القانون الدولى الإنسانى، ومعاملة الأسرى والمعتقلين فى سجونها، وفق ما تنص عليه اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م بشأن معاملة أسرى الحرب، وإدانة سياسة الاعتقال الإدارى لمئات الأسرى الفلسطينيين، وتحميل الاحتلال المسئولية عن حياة الأسرى الذين يخوضون إضرابا عن الطعام، والتحذير من سياسة العقوبات الفردية والجماعية وخطورة الوضع داخل معتقلات الاحتلال.

وفيما يتعلق بإيران، أعرب إعلان عمان عن إدانة التدخلات الإيرانية فى الشئون الدينية، وتصريحات المسئولين الإيرانيين التحريضية والعدائية ضد الدول العربية، وطالب إيران بالكف عن تلك التصريحات، ووقف الحملات الإعلامية ضد الدول العربية، وجدد الإعلان إدانة الاعتداءات التى تعرضت لها السفارة السعودية فى طهران، وقنصليتها فى مشهد، مُشددًا على أن تكون العلاقات قائمة على مبدأ حُسن الجوار، ودعا إيران إلى الكف عن السياسات التى من شأنها تغذية النزاعات الطائفية المذهبية، والامتناع عن استغلالها والتهديد بها.

وفيما يتعلق بليبيا أعلن المؤتمر الالتزام باحترام وحدة ليبيا وسيادتها وسلامة أراضيها ورفض التدخل الخارجى وتأكيد الدعم للتنفيذ الكامل للاتفاق السياسى الليبى الموقع فى الصخيرات بتاريخ 17 ديسمبر ٢٠١٥م، والتأكيد مجددًا على دعم الحوار السياسى.

أما فيما يتعلق بالإرهاب، فقد أدان الإعلان جميع أعمال الإرهاب، وممارسته بأشكاله ومظاهره كافة، وأيًا كان مرتكبوها، وأيًا كانت أغراضهم، والعمل على مكافحته، واقتلاع جذوره، وتجفيف منابعه المالية والفكرية، وشدد على عدم ربط الإرهاب بأى دين أو جنسية، داعيًا إلى تعزيز التسامح والحوار والتفاهم بين الشعوب والأديان، وأن الحلول العسكرية والأمنية غير كافية، ولابد من إيجاد استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب.

وفيما يتعلق بمناطق الصراع، فقد طالب القادة الحكومة التركية بسحب قواتها فورًا من العراق، لأن فيه اعتداء على سيادة العراق وتهديدًا للأمن القومى العربى، وأعرب المؤتمر عن تضامنه مع لبنان، والترحيب بانتخاب العماد ميشيل عون رئيسًا للبنان، وكلف القادة مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى، بوضع آلية لمساعدة الدول العربية المجاورة لسوريا، وكذلك الدول المضيفة للاجئين السوريين، والتأكيد على الحل السلمى لسوريا، كما أعربوا عن دعم الشرعية الدستورية اليمنية ممثلة فى الرئيس عبدربه منصور هادى، كما رحب القادة بإنشاء إطار تشاورى لتعزيز التعاون بين الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولى، لإقامة شراكة فعالة بين المجلسين لتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة، ورحب المؤتمر بعقد قمة عربية أوروبية والتشاور لتحديد الموعد والمكان، وفى نهاية المؤتمر طلبت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تُعقد القمة المقبلة فى المملكة العربية السعودية.


لقد ناقش المؤتمر مختلف القضايا الاستراتيجية وما يهم كل دولة من الدول العربية، كما يعمل المؤتمر على تنقية العلاقات البينية العربية قدر الإمكان، وجعل التدخلات الإيرانية والمبادرة العربية مقدمة فى سلم الأولويات، لقد كان الشعب العربى يراقب القمة بأدق التفاصيل وشعر بالارتياح لما صدر عنها.