رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمَّة عمّان.. وكسر أحجار «الدومينو» العربية


لم يكن الإعلان العربى فى قمة البحر الميت بالأردن قبل أيام، بعرض «مصالحة تاريخية» بين العرب وإسرائيل لحل الصراع المتجمد بخصوص القضية الفلسطينية والأراضى المحتلة- سوى بخار متصاعد عما يجرى بحثه فى الكواليس من ترتيبات لحل النزاع بصفة دائمة.. وهو ما أشرت إليه فى مقالى الأسبوع الماضى.

صحيح أن هذه المصالحة التاريخية، كما جاء فى البيان الختامى، تقوم على «انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة إلى خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وتضمن معالجة جميع قضايا الوضع النهائى وفى مقدمتها قضية اللاجئين وتوفر الأمن والقبول والسلام لإسرائيل مع جميع الدول العربية» وتكرِّر ما سبق أن اعتمدته قمة بيروت عام 2002، فيما عُرف وقتها بـ«مبادرة السلام العربية»، والتى لم تكترث بها إسرائيل كثيرا، ولكن إعادة الحديث بهذا الشكل «الصريح» مرة أخرى، وبعد 15 عاما تعيدنا مرة أخرى إلى ما يجرى من ترتيبات محمومة، يُقال إن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد أخذتها على عاتقها من أجل تسوية نهائية، خاصة ضمن استراتيجيتها فى خلق محاور جديدة فى منطقة الشرق الأوسط، تتولى مواجهة ظاهرة الإرهاب وتناميها، وكذلك لتكون حائط صدٍّ ضد الأطماع الإيرانية التى يبدو أنها باتت على أولوية الإدارة الأمريكية الجديدة.

وهنا لن يكون غريبا أن يشير الانطباع الأساسى لمشهد خطابات القادة العرب فى قمة عمَّان إلى إدارة الرئيس ترامب، التى تتمحور خطتها حول تأسيس تحالف عربى سنِّى لمواجهة إيران، باعتبارها الخطر الذى يهدد المنطقة، وبالتالى إسرائيل.

وبالتأكيد- وفق النظرة الخبيرة- فإن إسرائيل لن تكون بعيدة عن هذا الحلف بشكل أو بآخر. لذا أعتقد جازما، وكما قال بعض المحللين، أن عودة القضية الفلسطينية، ولأول مرة، إلى واجهة مؤسسة القمة بهذا الزخم، بعد غياب أو «تغييب» استمرَّ عقدا من الزمان، كان مقصودا أيضا، لتقديم الغطاء لمثل هذا التحالف الجديد، ولا أستبعد أبدا أن تتم الدعوة لعقد مؤتمر سلام فى واشنطن قريبا، يجمع قادة التحالف الجديد مع نظرائهم الإسرائيليين فى عملية إشهار مبدئية لهذه الخطوة، بعد بلورة الأسس النهائية ووضع الرتوش الأخيرة لحل النزاع.

اللافت فى مشهد القمة، وبعيدا عما جرى فيها من كسر أحجار الدومينو الظاهرية، خاصة فى العلاقات المصرية السعودية، ولقاء الرئيس السيسى بالملك سلمان، إضافة إلى الاعتراف السعودى المتأخر جدا ولأول مرَّة بـ«الحل السياسى» فيما يخص النظرة للأزمة السورية، وهو ما يتلاقى مع التوجه المصرى- كان أيضا القمة الثلاثية التى جمعت العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى، بالرئيسين عبدالفتاح السيسى ومحمود عباس، وثلاثتهم سيتوجهون تباعا إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكى ترامب، وأعتقد أن هذه الزيارات مع زيارة الرئيس السيسى للعاصمة السعودية الرياض، ستؤسس بناء على نتائجها المعلنة أو السرية على الأقل، خارطة طريق أوَّلية سواء للتحالف الجديد أو لترتيبات الحل المرتقبة.

وبقراءة كل هذه المشاهد، أستطيع أن أقول إن قمة عمان تشكل محطة مهمة فى التأسيس لمرحلة جديدة تماما على الساحة العربية، وربما تكون الحاضنة السياسية للتحالف السُّنى الجديد، والذى سيضم فى مراحله الأولية دول الخليج ومصر والأردن، وإن الإعلان العربى بالاستعداد للمصالحة التاريخية مع إسرائيل وإغرائها بالاقتراب من هذا الحلف- متوقف على ما ستقدمه الدولة العبرية من تنازلات حقيقية وملموسة ومُرضية عربيا بخصوص الحل النهائى للقضية الفلسطينية والأراضى المحتلة منذ عام 1967. ببساطة شديدة.. المسرح يتغيّر، والمعالم فى طريقها للتشكيل، وكل الاحتمالات واردة، وإن غداً لناظره قريب.