رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة بن سلمان إلى الولايات المتحدة.. الحقائق والتوقعات


لا أدعى بأنى عليم بسياسة المملكة العربية السعودية، فالسياسة السعودية ليست مكتوبة، لكنها تُكتَسَب بالتلقين، شأن الدول المُستقرة لعشرات السنين، فهى تؤخذ من تصريحات المسئولين، وبحكم تجربتى واطلاعى تكاد تحليلاتى وتوقعاتى أن تكون قريبة من الواقع.

فالعالم أخذ ينظر إلى زيارة الأمير محمد بن سلمان بنظرة الفاحص والمتسائل، فالأقوال قد تضاربت بسبب ما كان يعترى السياسة فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما من مد وجزر، بسبب ما يحدث فى سوريا والعراق واليمن ولبنان، والتحرك الإيرانى الذى كان يُشكل تحديًا سافرًا لأمريكا.



والرئيس الحالى ترامب انتقد سياسة سلفه أوباما، وأصدر تصريحات ناقدة، فمن يُحلل عليه أن يكون على دراية بسياسة المملكة الثابتة، وسياسة الولايات المتحدة المُتغيرة، فنحن بين الثابت والمتغير.

فالولايات المتحدة فى هذه الأيام ترسم سياستها فى عهد الرئيس الأمريكى ترامب، واللوبيان الإسرائيلى والإيرانى يتحركان بقوة داخل الساحة الأمريكية، وفى زحمة السباق بعين اللوبيات فى الولايات المتحدة، توجه دعوة إلى الأمير محمد بن سلمان بزيارة واشنطن، ويجتمع مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لأنه من غير المعقول أن تُرسم سياسة للشرق الأوسط، دون مشاركة من المملكة العربية السعودية.

انبرى المحللون الأمريكيون ليتناولوا الزيارة كلٌ من زاويته، فالخبير الاقتصادى بشركة «تيرسون للاقتصاد الدولى» تناول الزيارة من زاويتها الاقتصادية، فيقول «جيكوب كير كغارد» بأنه يتوقع أن تكون أبرز القضايا هى التأقلم مع الرؤى والتوجهات التى تزمع أن تسير عليها الولايات المتحدة فى عهد الرئيس ترامب.

كما أشار إلى أن النقاش بين السعودية وأمريكا، سيكون مهماً فيما يتعلق برؤية المملكة العربية السعودية وإدارة ترامب للأزمة السورية، مع ازدياد تدخل الولايات المتحدة فى سوريا بنشر جنود على الأرض، إضافة إلى تعقد العلاقات الأمريكية الروسية، وتوقع أن تكون لدى المملكة العربية السعودية فرص للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية.

ومع أن «كير كغارد» قال بأن الهدف الوحيد الذى تقوم عليه إدارة الرئيس ترامب، هو التركيز على هزيمة داعش، إلا أنه شدد على أهمية النقاش فى الملفات الاقتصادية والاستثمارية، وبصفة خاصة حول طرح أسهم شركة أرامكو العملاقة فى بورصة نيويورك عوضاً عن بورصة لندن.

أما من الناحية السياسية، فإن سفير الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق لدى الأمم المتحدة «جون بولتون»، أشار إلى أن اللقاء بين الرئيس دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان، يهدف إلى التعرف على موقف كل جانب فى مسألتين مهمتين هما: مكافحة الإرهاب، والطموحات الإيرانية، وبرنامج طهران النووى، بالإضافة إلى الوضع فى اليمن، ودول شمال إفريقيا، وتسريع جهود مكافحة الإرهاب.

وقال بأن السعودية تريد التعرف على مواقف ترامب من إيران، ومن برنامجها النووى، ومساندتها للإرهاب، ويرغب الأمير محمد بن سلمان فى التعرف على أفكار ترامب، فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وركز القول على أن عدم الاهتمام بجدية كافية بمنطقة الشرق الأوسط، جعل المنطقة أكثر خطراً خلال السنوات الثمانى الماضية، لهذا فسوف يتطرق النقاش إلى القضايا الإقليمية، والتدهور الأمنى والاقتصادى فى شمال إفريقيا، والفوضى فى اليمن، ومكافحة داعش.

وبخصوص التهديدات الإيرانية، فقد قال بولتون إنه رغم الاتفاق الذى أبرمته إدارة أوباما مع إيران، فإنها لا تزال تسعى للحصول على سلاح نووى، وهذا ما سبب قلقاً لدول الخليج بصفة عامة، كما تأكد أن إيران ليس لديها رغبة فى الامتثال للشروط التى التزمت بها ووقعت عليها، وظلت مستمرة فى دعم الجماعات المتطرفة مثل حزب الله، والحوثيين.

ومن أبرز المحللين الإستراتيجيين فى الولايات المتحدة وأكثرهم اهتماماً بالشرق الأوسط «سايمون هندرسون»، الذى أشار إلى أن هذه الزيارة تُعتبر حدثًا مهمًا، لكونها توفر هذه اللقاءات بين الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأمريكى وأعضاء إدارته، وتُشكل فرصة لمعالجة عدد كبير من القضايا العالقة بين الطرفين، وتعمل على تحسين الأجواء من جراء الاختلافات التى نجمت فى العهد السابق.

وتوقع هندرسون أن يطرح الرئيس الأمريكى على الأمير محمد بن سلمان أفكاره عن خطة طموح للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتشمل دولاً كثيرة من بينها مصر والأردن، وهو ما أشار إليه فى موتمره الصحفى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى الشهر الماضى.

وقال المُحلل الأمريكى هندرسون إن من القضايا التى تُشكل أهمية كبيرة فى المحادثات بين ترامب وسلمان، الملف اليمنى وكيفية إعادة الاستقرار والشرعية إلى اليمن، وإلى صنعاء التى تحتلها قوات الحوثى المدعومة من إيران منذ عامين، ومكافحة تنظيم القاعدة الذى انتهز الأزمة فى اليمن، فاتخذ له ملاذًا آمنًا فيها، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى شن عمليات عسكرية فى الآونة الأخيرة، وما قامت به قوات الكوماندوز الأمريكية، واعتبرها فرصة مهمة للإدارة الأمريكية لفهم الاستراتيجية السعودية بشكل واضح فى اليمن، وما إذا كانت الأعمال العسكرية الحالية فى الحرب باليمن، والحالة النهائية الواقعية، ستُغيَر شيئاً من الواقع على الأرض، ودور إيران فى إثارة الأزمات فى العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.

فالاجتماع بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان وإدارته، يُشكل فرصة هامة للإدارة الأمريكية، لفهم واضح لاستراتيجية المملكة العربية السعودية، كما أنه فرصة مهمة للمملكة أن تطلع وتشارك فى بناء الخطة الأمريكية فى الشرق الأوسط خلال عهد الرئيس ترامب، والتى ذكرتها شبكة CBS News الأمريكية، من أن البيت الأبيض يرغب فى توسيع المهام العسكرية ضد تنظيم القاعدة فى اليمن، وأكدت أن الرئيس ترامب يتطلع لدور أكثر صرامة للتدخل الإيرانى فى اليمن، فى ظل قناعة راسخة، بأن إيران تمد الحوثيين بالأسلحة والمتفجرات، وأن الرئيس الأمريكى يرى ضرورة توسيع العمليات العسكرية ضد الإرهاب فى اليمن، حتى لا يهرب الإرهابيون من داعش إلى اليمن بحثًا عن ملاذ آمن.

كما أن الاجتماع سوف يبحث فى العلاقة بين الطرفين، وهو ما أشار إليه الديوان الملكى فى بيان الزيارة، ومناقشة القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، كما أعلن البيت الأبيض فى يوم الأربعاء 16 مارس 2017م، أن الرئيس دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان، بحثا خلال اجتماعهما يوم الثلاثاء الماضى، أهمية التصدى لأنشطة إيران المُزعزعة لاستقرار المنطقة، وناقشا فرص تطوير برامج اقتصادية جديدة، واستثمارات بين البلدين، وذكر البيان أن ترامب أبدى خلال اجتماعه مع الأمير محمد بن سلمان دعمه لتطوير برنامج أمريكى سعودى جديد، يُركز على الطاقة، والصناعة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، وينطوى على استثمارات قد تتجاوز 200 مليار دولار فى السنوات الأربع المقبلة، كما اتفقا على مواصلة المشاورات فى مجال الطاقة لدعم نمو الاقتصاد العالمى، والحد من تعطل الإمدادات والتقلبات.

وقال أحد كبار مستشارى الأمير محمد بن سلمان فى تصريح لبلومبرج، إن اللقاء كان ناجحاً للغاية، وقد أعاد الأمور إلى مسارها الصحيح، ويُشكل بالتالى نقلة كبيرة للعلاقات بين البلدين فى جميع المجالات السياسية، والعسكرية، والأمنية، والاقتصادية، وذلك بفضل الفهم الكبير للرئيس ترامب لأهمية العلاقة بين البلدين واستيعابه لرؤية واضحة لمشاكل المنطقة.

إننا لا نستطيع أن نحكم على هذه الزيارة، لكن التاريخ سوف يشهد بأنها أثرت فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط على أسس من السلام والآمن والرخاء.

إننا لا نستطيع أن نحكم على هذه الزيارة لكن التاريخ سوف يشهد بأنها أثرت فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط على أسس من السلام والآمن والرخاء