رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زواج المتعة بين بريطانيا والإخوان.. وآخرين


لم أستغرب كثيراً مهما صدر عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم البريطانى، فى تقريره، الذى صدر الإثنين الماضى، حول نتائج تقييمه لتنظيم الإخوان «الإرهابى»، عطفًا على التقرير السابق للجنة السير «جينكنز»، والتى شكلها رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون عام 2014 للتحقيق فى أنشطة جماعة الإخوان داخل بريطانيا، وأشار بالاتهام المبطن للجماعة بتنفيذ أعمال عنف ارتكبها مؤيدوها، وتشديد الإجراءات الأمنية ومتابعة الإخوان والجماعات المرتبطة بهم بالداخل والخارج، إضافة إلى جملة إجراءات أخرى أهمها توصية بفرض تجميد لأصولهم المالية أوروبيًا على غرار المتبع مع حركة حماس.



وربما كان من الملاحظ الانتباه إلى أن نشر مقتطفات من التقرير الأخير، جاء عقب أقل من 24 ساعة من تقرير آخر، نشرته الأحد، صحيفة «الحياة» اللندنية ــ المحسوبة على الإعلام السعودى ويملكها الأمير خالد بن سلطان، نجل ولى العهد الأسبق الأمير سلطان بن عبدالعزيز ــ بعنوان «طريق الإخوان المسلمين فى المشرق من التبشير والدعوة إلى الفريضة الغائبة»، أشار فيها كاتبا التقرير ـ وهما اللبنانيان حازم صاغية وحازم الأمين ـ إلى ما اعتبراه «حقائق مغيَّبة»، وكان فى مجمله محاولة ساذجة لتبرئة الجماعة من الإرهاب والعنف، وأن دور الإخوان فى الإرهاب يقل كثيرا عن دور ما قالا إنه «الأنظمة والحركات العسكرية».. لنكون فى خلاصة الأمر أمام تقرير «مدفوع الأجر» فى رأيى، يهدف للتأكيد على أن الجماعة هى «تنظيم غير عنيف ويتطور عنفه أحيانًا كرد فعل».. والأخطر أن الصحيفة زعمت أنه يبدو أنه بات مطلوبًا لاعتبار الجماعة إرهابية، أن تقتل عشرات الآلاف كى تتساوى بالأنظمة العسكرية!.

هذه العبارة الملغومة وحدها، وإن كانت تثير أكثر من تساؤل حول تناقض سياستها العامة، عن السياسة السعودية المعلنة ـ حتى الآن ـ من أن جماعة الإخوان منظمة إرهابية، إلا أنه لا يمكن النظر إليها بعين الصدفة عن التقرير البريطانى، إذ تبدو وكأنها مجرد تمهيد إعلامى لطرح سياسى رسمى سيقوم به البرلمان البريطانى بعد 24 ساعة!.

ومع ذلك، فإن حقيقة تقرير لجنة العلاقات الخارجية هذا الذى اعتبر أن الإخوان جدار عنف بمواجهة التطرف والإرهاب، وأن معظم الإسلاميين السياسيين لا يمارسون العنف، وأنهم ضحايا العنف، وكذلك ينبغى على السلطات البريطانية التواصل والتفاهم مع الإخوان، ليس فى رأيى سوى استمرار معلن لحالة زواج المتعة المستتر طيلة 80 عامًا بين الجماعة وبريطانيا منذ أيام الاحتلال.. وأن إقدام بريطانيا على اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، سيدين البريطانيين أولاً، بحكم العلاقة التاريخية منذ العام 1928، والتى تفضح لنا لماذا اختار حسن البنّا تأسيس التنظيم فى مدينة الإسماعيلية مثلًا، وليس فى العاصمة أو مدينة أخرى؟ الحقيقة لأن الإسماعيلية كانت مقرًا لأكبر احتلال بريطانى، وأن المخابرات البريطانية هى من كانت تمد البنا بالجنيهات «الذهبية» كتمويل، وربما أيضًا معلومات فى إطار التنسيق عند النشأة المشبوهة.. وهذا هو المأزق البريطانى.

الأكثر خطورة، هو ما قال عنه التقرير فى مهاجمته لتقرير «جينكنز» من خلل أساسى «بسبب رفضه التدقيق فى تأثير الانقلاب العسكرى الذى وقع فى مصر عام 2013 على جماعة الإخوان».. فماذا يعنى هذا التوصيف المغالط قبيل زيارة مرتقبة للرئيس السيسى إلى لندن.؟ والذى يكرر ما حدث فى زيارته السابقة عند سقوط الطائرة الروسية قبل أقل من عامين!.

لاشكَّ أننا أمام تنظيم إخوانى يتغلغل فى مفاصل الحياة السياسية البريطانية، ويعتمد الرشى السياسية والمالية لتمرير مواقفه ومزاعمه، كما أكد لى إعلامى صديق بريطانى التقيته قبل أيام، وكل ذلك يعيدنا إلى مربط الفرَس فى اللعبة الجارية فى لندن.. أين أجهزتنا الرسمية ومؤسساتنا الخارجية وهيئة الاستعلامات.؟ بل أين برلماننا المحترم؟.. باختصار.. أين نحن من هذا كله؟.