رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في مديح المرأة المصرية


احتفل العالم هذا الأسبوع باليوم العالمى للمرأة. ولا أدرى لماذا تذكرت إيزيس المعبودة المصرية القديمة، التى لملمت أشلاء زوجها أوزوريس من أجل الحياة، وكيف استدعيت صورة إيزيس وأنا أشاهد أمى تعتنى بجسد أبى المُتعَب فى سنواته الأخيرة وهو على فراش المرض، فى انتظار الموت، بينما كانت الأم - أو إيزيس- تنشد له الحياة؟!.



عزيزى القارئ هل أُبالغ بعض الشىء إذا قلت إن المصرية تُولد أمًا؟! تلعب الطفلة المصرية مع عروستها وكأنها ابنتها، فى تدريبٍ مبكر على الأمومة. كما تصبح الأخت الكبرى بمثابة «أم أخواتها»، ويخاطب الزوج زوجته تودُدًا باسم «ماما». وتُرضِع المرأة المصرية أبناء الجيران، بصرف النظر عن الديانة أو الانتماء العرقى، كما يُرضع النيل أبناء مصر الحياة، دون تفرقةٍ أو تعصب.

صدرَّت مصر إلى العالم القديم عبادة إيزيس، وكم كانت فرحتى وأنا أشاهد آثار ذلك فى لبنان وجنوب إيطاليا. ويقال إن من أهم أسباب انتشار المسيحية فى مصر ذلك التشابه فى مخيلة المصرى القديم بين إيزيس والسيدة مريم العذراء، ويعشق المصرى أيقونة العذراء وهى تحمل المسيح طفلًا، لأنها تذكره بقصة إيزيس مع ابنها حورس الصغير.

وقدمت مصر عبر عصورها المختلفة مجموعة من أهم نساء العالم؛ ففى العصر الفرعونى كانت هناك حتشبسوت ونفرتيتى. وفى العصر اليونانى «عصر البطالمة» يعرف القاصى والدانى كليوباترا، التى خلدها الأدب العالمى، فضلًا عن السينما العالمية. وفى العصر الإسلامى تتصدر بشدة شخصية شجر الدر. وفى العصر الحديث مَن منا لا يعرف صفية زغلول، زوجة الزعيم سعد زغلول، ورفيقته فى الكفاح لا سيما فى أثناء ثورة 19. هذه المرأة التى تحول بيتها إلى «بيت الأمة»، وهى السيدة التى لم تُنجِب، فلقبها المصريون بـ«أم المصريين»، وهو الاسم الذى أصبح علمًا بعد ذلك على حى «أم المصريين» فى الجيزة، ومستشفى أم المصريين فى نفس الحى.

وفى ميدان الدين الشعبى، يبجل المصريون بشدة «السيدات» مثل «السيدة زينب» و«السيدة نفيسة» و«السيدة عائشة». وبطبيعة الحال يعود لقب «السيدة» إلى النسب النبوى الشريف، ولكن أيضًا يعود إلى المعتقد المصرى القديم فى تبجيل الإلهة «السيدة إيزيس». وما زلت أتذكر كيف كنا نبجل جميعًا مسلمين ومسيحيين ونتبارك بـ«سانت تريزا» قديسة شبرا الشهيرة، رغم أنها «كاثوليكية» وليست مصرية الأصل، ولكنها فى الضمير الجمعى المصرى تذكرنا بإيزيس، الإلهة الأم.

وفى تاريخ الحركة الوطنية المصرية، هل ننسى الأميرة فاطمة إسماعيل راعية جامعة القاهرة، التى أدركت مبكرًا أن التعليم هو أداة التغيير فى المجتمعات، وأن مقاومة الاحتلال البريطانى تبدأ من هنا.

وفى ثورة 1919 خرجت النساء من أجل الحرية فى مواجهة بنادق الإنجليز، وكانت هدى شعراوى رمزًا لعودة الروح لمصر، هذه الروح التى عبَّر عنها مختار فى تمثاله الشهير «نهضة مصر» بالفلاحة المصرية التى تستند إلى تاريخها المجيد متمثلًا فى «أبو الهول».

وفى 25 يناير- 30 يونيو، خرجت المرأة المصرية من جديد دفاعًا عن تاريخها، وأملًا فى المستقبل، وكانت بحق روح إيزيس ترفرف فى ميادين مصر، من أجل العيش والحرية والكرامة الإنسانية.

تحية لإيزيس، تحية لبهية، تحية لمصر فى عيدها.. عيد المرأة.