رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قطار السلام ينطلق من جنيف


يسير قطار السلام فى سوريا ببطء شديد، لكنه رغم ذلك سيصل إلى محطة السلام، فأستانة الأول والثانى مهدا لقطار السلام الذى وصل إلى جنيف، ورغم كل ذلك، فإن التقدم كان ظاهرًا وملموساً، وانتهى مؤتمر «جنيف 4» بعناوين سوف تناقش بالتوازن فى الجولة القادمة.

انتهت الجولة الرابعة من المفاوضات السورية فى مدينة جنيف السويسرية يوم الجمعة 3 مارس 2017، بالاتفاق على جدول أعمال بأربعة عناوين ستناقش فى الجولة الخامسة، وطمأن فيها المبعوث الأممى العالم المترقب للسلام فى سوريا، بأن الجولة الخامسة ستجرى فى شهر مارس الحالى.

فى محطة جنيف ركزت المحادثات خلال الأيام الثمانية على المسائل الإجرائية، فأسفرت عن التوصل إلى جدول أعمال يتضمن أربع مسائل: الحوكمة، والدستور، والانتخابات، وقضية الإرهاب التى أصر وفد النظام على إضافتها، وهذه الإضافة هى الورقة التى يستعملها النظام فى نسف المحادثات والتلاعب بها فى سلم الأولويات.

لقد قرر «دى مستورا» أن يطير إلى نيويورك ويجتمع بالأمين العام، ومن ثم يوجه الدعوات إلى الجولة الخامسة، ومن الثابت أنها ستأتى بعد اجتماعات أستانة المقررة فى 14 من شهر مارس الحالى، وبالذات فى 14 من الشهر، وستتناول الفصائل العسكرية إيقاف إطلاق النار.

وبالتوازى مع ذلك، فقد شجع المبعوث الأممى «دى مستورا» الاستمرار فى المحادثات غير المباشرة، حتى تتوافر الظروف للتحول إلى مفاوضات مباشرة، كما شجع الأطراف السوريين على الذهاب إلى جنيف بوفد موحد، أما الروس فيعكفون على هندسة الاتفاق بين الأكراد والنظام.

وتوجهت وحدات الجيش السورى إلى جنوب غربى منبج، التى تسيطر عليها وحدات من القوات الكردية، والتى قُتل فيها عنصر من قوات النظام وأسر أربعة من قبل قوات درع الفرات، وذكرت وزارة الدفاع الروسية يوم الجمعة، أن العسكريين الروس خططوا لاستعادة الجيش السورى لـ «تدمر» وأشرفوا على ذلك، كما لعبت القوات الروسية الخاصة، إضافة إلى القوات الجوية دورًا حاسماً، وأن ألفًا من داعش سقطوا ما بين قتيل وجريح، لكن المعارضة تؤكد أن استعادة «تدمر» تمت بالتفاهم ما بين الجيش السورى وداعش، ولم يكن الأمر سوى استلام وتسليم، وقد وصف وفد الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة عقب انتهاء الجولة الأخيرة من محادثات «جنيف4» السورية بالايجابية، بعد اجتماعات مكثفة للوفد الحكومى والوفود المعارضة مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دى مستورا، الذى كان أكثر تفاؤلاً، فقال من جهته انه يتوقع الآن من الأطراف السورية السعى إلى اتفاق طارئ بشأن عملية سياسية.

وقد توصل المجتمعون فى ختام جولة المفاوضات ما بين ممثلى الحكومة والمعارضة فى جنيف إلى جدول أعمال واضح، أما المبادئ العامة التى قبلتها المعارضة، فتتكون من اثنى عشر مبدأً عامًا بشأن مستقبل سوريا، وهى التى قدمها المبعوث الدولى للوفود فى نهاية المحادثات، وأنها مستمدة من نقاط ساقها ستيفان دى مستورا فى العام الماضى.

لقد كان النقاش حول مستقبل سوريا والانتقال السياسى عميقًا وواضحاً، وهو ما عبر عنه رئيس وفد الهيئة السورية العليا للمفاوضات المعارضة، لكن النقاش تعرض لاحتقان كبير، فالمسائل الأساسية التى نص عليها القرار الدولى 2254 وردت فى سلال دى مستورا الثلاث.

لكن إصرار بشار الأسد رئيس وفد النظام على إدراج سلة رابعة تحت بند الإرهاب عقد الأجواء، بسبب رفض الهيئة العليا إدراج ما طرحه بشار مستغلًا الهجوم الإرهابى الذى ضرب أجهزة الأمن السورية فى مدينة حمص أثناء انعقاد مؤتمر جنيف 4، وتراشق الطرفان الاتهامات والمزايدات، فطلبت الهيئة العليا للمفاوضات فى المقابل إدراج السلاح الكيماوى والتهجير الجماعى والبراميل المتفجرة وفقدان مئات الآلاف من الضحايا ، لكن وفد الهيئة العليا عمد إلى الحكمة، فخفف من الاحتقان.

كان لتدخل «دى مستورا» أثر بالغ عندما طرح قبول وفد النظام التطرق إلى إدراج سلة الانتقال السياسى، مقابل إدراج السلة الرابعة الممثلة فى الإرهاب تحت اسم «الإرهاب وجرائم الحرب»، وهو ما تمسك به المبعوث الدولى.

عندها خرج وفد النظام مزهوًا، بأنه أدرج بند الإرهاب كـ «سلة رابعة»، معتبرًا ذلك إنجازاً، بينما خرج وفد الهيئة العليا سعيداً، لأنه استطاع دفع النظام إلى القبول بالدخول فى مباحثات تتناول عملية الانتقال السياسى، التى تعتبر الهدف الاستراتيجى لوفد الهيئة العليا من هذا الاجتماع، أما المبعوث الدولى، فيرى أنه قد نجح فى الحفاظ على الزخم السياسى للمسار، واستطاع أن ينهى الجانب الإجرائى، وهذا ما يُمهد الطريق لإنجاز تقدم سياسى غير إجرائى خلال الجولة القادمة.

لم يكن التفاؤل بالحل للقضية السورية مقصورًا على المبعوث الدولى دى مستورا فحسب، بل كان التفاؤل يغمر منصتى موسكو والقاهرة، وهو ما عبر عنه جهاد المقدسى، مع أن منصة موسكو تتمسك بالوفد الواحد وبالمفاوضات المباشرة مع وفد النظام، وبمناقشة السلال الأربع بالتزامن والتوازى.