رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشرق الأوسط.. الواقع والمستقبل


إذا كانت التحديات هى التى تصنع التقدم، فإن الأمن والاستقرار هما من يصنعان التطور، فالمملكة تعرضت لتحديات كثيرة، فكل عهد من عهودها عرف تحديًا واجهته بقوة، ومع كل ملك من ملوكها كانت المواجهة مع التحديات تمضى بشكل قوى، وتطور ملموس، وتقدم مشهود.

واليوم، وفى عهد الملك سلمان، تواجه المملكة التحدى الإيرانى، الذى أخذ فى تدمير الأمتين العربية والإسلامية عن طريق الإرهاب والفتن والميليشيات والصراع الطائفى، وعندما بلغ السيل الزبى، وأعلنت إيران أنها تسيطر على أربع عواصم عربية، انبرت لها المملكة وخاضت حرب اليمن مع تسع من الدول العربية المتحالفة، وساندت الشرعية اليمنية فى مواجهة المتمردين.

كما أن المملكة دعمت المعارضة السورية التى ترغب فى تحرير سوريا من الاستعمار الإيرانى والاستبداد البعثى، وتعاونت مع شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، والسبب فى انتصار المملكة وقدرتها على مواجهة التحديات هو فى اعتمادها على الله - عز وجل - والتعاون مع حلفائها ومهادنة العدو المظنون ضد العدو المضمون.

فاليوم تواجه المملكة والأمة العربية عدوين مضمونين، هما النظام الإيرانى والإرهاب، ولن تتخلى عن قيمها التى سارت عليها منذ النشأة الأولى لهذا الكيان العظيم، فالمعاناة تأتى من جهل الأخوة فى الدين والعرق.

فنجد بعض الشباب يسيرون خلف تنظيمات إرهابية تخدعهم، فيخربون بيوتهم بأيديهم، فالذين يستخدمونهم يسوقونهم إلى القتل، وكذلك الحال فى أخوة النسب كالحوثيين وحزب الله والحشد الشعبى، فهم يتعاونون مع إيران، فتدفع بهم إيران للقتال وتدمير أنفسهم وممتلكاتهم؛ وتنجو إيران من تبعات ذلك.

ففى سوريا استطاعت المقاومة دحر الجيش السورى والإيرانى وحزب الله ومن جىء بهم من أفغانستان وباكستان، وهذا ما دعاهم إلى استدعاء روسيا التى وجدت نفسها متورطة فى الوحل السورى، فإما أن تحقق السلام وتحافظ على مكتسباتها وتعمل من أجل أهدافها السياسية والاستراتيجية، وإما أن تغوووص فى الوحل كما غاااص السوفييت فى أفغانستان.

توجهت روسيا نحو إيقاف إطلاق النار، لكن إيران تتلكأ لأنها تعلم أن إيقاف إطلاق النار يعنى تحقيق الأمن فى سوريا واستقرار الأوضاع، وهذا يعنى خروجها من سوريا، وخروجها يجعلها تواجه شعبها الذى سيقول لها: ماذا جنينا من التدخل فى سوريا، فقد خسرنا المال والرجال.

عندما يصبح النظام فى سوريا عرضة للتغيير، نجد إيران تحاول إفساد مؤتمرى أستانة الأول والثانى، واليوم تحاول إفساد جنيف، لكن هذا يجعلها تدفع الثمن غاليًا عندما تصطدم بروسيا.

وفى العراق تحققت الانتصارات فى مدن الرمادى والفلوجة ضد داعش بسبب الدعم الأمريكى، لكن الواقع أخذ يتغير، فالحشد الشعبى الشيعى الطائفى بدأ يتلقى الانتقادات من الغرب وغيرهم، فأخذ يراوغ على الفضائيات.

كانت الصدمة الإيرانية كبيرة عندما عقد فى الأسبوع الماضى منتدى الشعر فى المربد، والذى جاء ليؤكد فى معقل حلفاء إيران بالبصرة، أن ثقافة العراق ثقافة عربية وأنها ترفض الثقافة الإيرانية.

فمع هزيمة الإرهاب فى العراق وهروب داعش، لن يكون هناك مكان لإيران، وعندها سوف يواجهون الشعب العراقى العربى، سُنة وشيعة، لأنهم سوف يتضامنون فى مواجهة المستعمر الإيرانى، وسوف تنسحب قوات طهران مكسورة.

إن سوريا والعراق واليمن سوف يفكرون بعد داعش، وفى أعقاب الحصول على الأمن والاستقرار فى إعادة البناء، وسوف تكون هذه الدول فى حاجة إلى دول مجلس التعاون الخليجى، لكن الإدارة الأمريكية الجديدة شخصت الحالة بشكل جيد، وأخذت تتحالف مع دول مجلس التعاون ومصر لصنع المستقبل.

لقد استعدت المملكة لما بعد الحرب، ولما بعد داعش، فخطة التحول الوطنية السعودية وكما يقول - دينيس روس المستشار بمعهد واشنطن والدبلوماسى المحنك - فى مقاله بصحيفة الشرق الأوسط عدد يوم الإثنين الموافق 20/2/2017 هناك إمكانيات كبيرة وهائلة فى خطة التحول، ليست فقط لصالح المملكة، بل لصالح المنطقة بنطاقها الأوسع.

وإن الخطة السعودية عبارة عن جهود ممنهجة ومنظمة لتنمية وتطوير وتحديث المملكة بأسرها من حيث إصلاح التعليم، وتنويع مصادر الاقتصاد والدخل القومى، وبناء الصناعات المحلية فى القطاعات النفطية، الكيميائية، التعدين، السياحة، وتعزيز الاقتصاد المعلوماتى والرقمى هى فى الرؤية السعودية 2030.

ويقول «روس» لقد فشل القوميون والعلمانيون تماما، كما يفشل الإسلاميون الآن فى تحقيق هذا الهدف الكبير، والسبب هو افتقار الجميع لوجود الخطة الجادة الاستراتيجية والعملية للتنمية والتطوير، أو لتحقيق التوفيق المطلوب ما بين الإسلام والتحديث، غير أن الخطة السعودية تملك الأمرين على السواء، وينبغى على الولايات المتحدة أن تسهم بكل ما تستطيع لإنجاحها..

إن الأمور تتغير بسرعة ليست كبيرة فى الشرق الأوسط، وتتجه نحو الاستقرار ومزيد من التطور والتقدم، فأوروبا لم تنهض إلا بعد حروب دامية، وكما يقول - إيفان ترجينيف - إن الشتاء يبدو ممتقعًا لوصول الربيع الباسم.