رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

25 يناير.. الوجه الآخر للثقة والاطمئنان


لأول مرة طيلة ست سنوات، مرّت ذكرى 25 يناير كما لم تمرّ من قبل.. اختفت دعوات التأليب والتحريض التى تشنها سنويًا جماعة الإخوان الإرهابية، ونشطاؤها وكتائبها، وتبخَّروا جميعهم فى ظاهرة لا تثير استغرابى، ولكنها جديرة بالتحليل والتوقف عندها كثيرًا بشكل منطقى وعقلانى بعيدًا عن التعصب أو العصبية.



ربما يقول البعض، إن الإجراءات الأمنية كانت وراء هذا الاختفاء «القسرى» لعناصر الشغب والتحريض، وإذا كان هذا صحيحًا فهذه نقطة تُحسب للأمن المصرى، لا ضدَّه، وربما يقول آخرون إن منابع التمويل الإخوانى، قد تم تجفيفها إلى حد كبير، أصبحت فيه يد التمويل السرية مغلولة، وبالتالى انقطع الإمداد، فلم يخرج النشطاء أو الأذرع، وهذه أيضًا تثبت أن غالبية من يخرجون فى مسيرات أو يحرضون على دعوات للتظاهر بمواجهة الدولة، ليسوا إلا حفنة من المأجورين لمن يدفع أكثر.

وربما يؤكد البعض ـ وأنا منهم ـ أنه بجانب كل ما ذُكر، فإن هذا المشهد الذى رأيناه هو ما يلخص ما وصلت إليه الجماعة، ومعها كل النخب «الثورجية» من حالة يأس كاملة، وإفلاس سياسى وشعبى، نتيجة إدراك المواطن العادى فى الشارع أن كل هذه الجماعات والنخب، ليس لها أى رصيد حقيقى، ولم يعد هناك أى مواطن يصدقها أو يجرى وراءها، والأهم، أنه رغم كل الأزمات الاقتصادية معيشيًا واجتماعياً، إلا أن مجمل حركة الشعب هى التفاف واضح، وقناعة تامة بأن مشرط الجرّاح الجارى حاليًا مؤشر للدخول فى فترة نقاهة وتعافٍ مستقبلى، رغم مشاعر الضيق والتبرُّم، وأن الدولة الآن مثل مريضٍ عليه أن يتحمل ضريبة العلاج من أجل الاستشفاء المرتقب.

هذه الحالة الوطنية شديدة الخصوصية، هى التى التفَّت حول مباراة المنتخب مع غانا فى كأس الأمم الإفريقية، وتجاهلت تمامًا أى إشارات للعبث أو الفوضى، وهى نفس الحالة التى أدركت ربما متأخرًا أن 25 يناير ـ بعيدًا عن تناقضات مفهومى الثورة والمؤامرة ـ هو مناسبة وطنية لإحدى ملاحم البطولة المصرية قبل 65 عامًا، ممثلة فى عيد الشرطة وتضحيات شهدائها ومصابيها، وهى أيضًا ذات الحالة التى أفرزت ولأول مرة، رئيس البلاد عبدالفتاح السيسى، وهو يتجول مع السيدة قرينته فى «عربة حنطور» وسط الناس، ومع السياح فى شوارع أسوان، وكلها ثلاث رسائل مطمئنة للداخل والخارج مضمونها واحد، وهو أن مصر بدأت تتعافى من غيبوبتها التى طالت 6 سنوات كاملة، ونفضت عن كاهلها كل شعارات الزيف ودعوات العنف والتظاهر.

هذه هى روعة الشعب المصرى، التى تتجلى فى الأزمات، بعنفوانه وقدرته على تجاوز الشبهات وتمييز ما تفرضه المصلحة الوطنية ومقتضيات ضرورياتها، حتى وإن مست حياته ومعيشته بشكل مباشر.

هذا هو الوجه الآخر لمصر الحقيقية التى لا يمكن السماح باختطافها أو وضعها فى ثلاجة الموتى، تحت أى ظرف ولو كان الإرهاب ذاته، وتحت أى ذريعة أو حجَّة تنادى بشعارات كلنا تأكدنا من أنها وسيلة للاتجار بالعقول والتلاعب بالقلوب، لفرض أجندة بعينها، عرفناها ورأيناها.

هذه هى مصر الواثقة والمطمئنة والمنتصرة، التى نريدها.. نعيش فيها ونعمل من أجلها ونموت عليها، وليذهب المجرمون والخونة إلى الجحيم.