رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين».. «2-3»


يظن بعض الناس أن الإحسان، كل الإحسان يتمثل فى إعطاء حسنة مادية أو صدقة لمن يطلبها أو يحتاج إليها.. وهذا الظن لا يكاد يمثل واحدًا من الألف لمعنى الإحسان، ولذلك جاء قوله تعالى «قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى».. أما الإحسان الصحيح فهو منهج حياة، فى المنزل، وفى الشارع، وفى المصنع، فى الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، أى فى كل شىء نراه فى العلاقات على جميع المستويات حتى الدولية منها مع الأولياء أو الأصدقاء والأعداء، ونراه مع الزوجة والابن والابنة، وطبعًا الوالد والوالدة، والجار القريب والجار البعيد.. نراه فى الرياضة وفى المدرسة، وفى مركز الأبحاث وفى الشارع.، نراه أمام الناس وفى الخلوات مع النفس.



فالإحسان، إحسان القلب، يظهر فى حب الله وخوفه ورجائه، وإحسان الجوارح بعبادة الله، وإحسان اللسان بطيب الكلام.. إحسان إلى الأقربين والأبعدين، وإحسان إلى الأصدقاء والأعداء، وإلى المؤمنين وغير المؤمنين. إحسان إلى الجميع، من تحب ومن تكره. إحسان حتى يكون الله ورسوله أحب الى المرأ مما سواهما. ومعنى ذلك أن يكون منهج الله تعالى هو أحسن المناهج إلى الإنسان المحسن.

يقول الله، عز وجل، فى محكم التنزيل: «وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً». قال ابن عباس: لفظ «الناس» هنا يعنى: المؤمن والكافر والمشرك والبوذى واليهودى والنصرانى وغير كل ذلك ممن خلق.

وقد رأينا سيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه وأرضاه، يحسن إلى القبطى المصرى ويعدل معه ولصالحه، ويرد إليه حقه، وقال سيدنا عمر، لعمرو بن العاص، والى مصر، آنئذ: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟

فهذه النماذج وغيرها، سيرة حياتية عملية مطبّقة لم تكن شعارات ترفع، بل كانت ممارسة حقيقة طبيعية تنطلق من قلوب صادقة؛ أحسنت بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، فأحسنت إلى عباد الله. وأحسنت إلى أنفسها، وإلى جميع خلق الله تعالى، حتى الحيوانات والجماد.

يقول العلماء: «إن وجوه الإحسان هى بحسب الإنسان، وبحسب موقعه، وبحسب قدرته، وبحسب اهتمامه، إحسان بالمال والجهد والعلم والعمل والجاه والمنصب، والشفاعة والمشورة والنصيحة والتوجيه، وبذل الوقت والمؤانسة والكلام الطيب».الإحسان شعار جميل فى الحياة، إذ يتخذه الإنسان فى حياته ويضعه نصب عينيه، يقل فى ضوئه الخطأ والإثم والعدوان، وتقل الكراهية، وينمو فى ظله الحب والسعادة، التى تفيض على المجتمع بأسره، ما أجمله من شعار: «فأحسنوا إن الله يحب المحسنين».

وإن كل إحسان يقدمه المرء فهو لنفسه، وعائد عليه بالحسنى والتفضل، يقول الله عز وجل: «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ». ولن يعدم المحسن عرفاناً بالجميل أو ما قدمه من إحسان فى الدنيا أو الآخرة.

أما الدليل الجميل فى الإحسان، «وأحسن كما أحسن الله إليك»، إنه معنى عظيم، فإن الذى نزل علينا أحسن ما نزل من الكتاب يأمرنا بالإحسان كما نراه أمامنا فى الخلق. فلقد أحسن الله خلق الكون.. وأحسن خلق الإنسان. وأحسن الكتاب المنزل عليك أيها المسلم وأيها اليهودى وأيها النصرانى. لا يملك الإنسان أمام هذا الصنع البديع إلا أن يقول: «يا رب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك». أما الصنع فهو صنع الله تعالى «صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ».

إن الإحسان كما يقول بعض العلماء، رحب الدائرة، ينتظم عمل الإنسان كله، من المهد إلى اللحد، والمحسن فى التعريف الدقيق، هو الذى يتقن كل عمل يقوم به فى حياته، سواء كانت أعمالاً دينية، أو دنيوية. ويحسن كل كلمة ينطق بها وكل حركة يقوم بها لأنه يعلم يقينا أنه «مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ».

ولذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾.

وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما الإحسان؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

والحقيقة هذا الحديث فيه لفتة رائعة، إذ إنه عندما سئل النبى، عليه الصلاة والسلام، عن الإحسان لم يجب إجابة بقدر السؤال، بل حدثنا عن طريق الإحسان، كيف تكون محسناً ؟.. اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. المحسن هو الذى يبالغ فى إتقان عمله وإجادته، فإن لم يبلغ المرء هذه المرتبة من معرفة الله، فلابد من المرتبة الثانية: اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. إما أنك ترى أن الله يراك، وإما أن تعلم أن الله يراك. إن لم تكن فى المرتبة الأولى، فلا أقل من أن تكون فى المرتبة الثانية، المرتبة الثانية هى الشعور بإشراف الله تعالى ورقابته عليك، وعلى كل شىء. قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

فلو أحسن كل منا فى حياته، أو عبد الله تعالى كأنه يراه، هل يظن القارئ أن نشهد فى حياتنا فسادا أو تخلفا أو إرهابا أو ظلما؟ لا أظن بل نكون نحن النموذج الذى تتطلع إليه البشرية، ونحن لابد يوما ما أن نسير إلى ذلك الطريق المستقيم، وهو الطريق الذى وضحه لنا بل رسمه لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى قال فى حقه الله تبارك وتعالى «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا».

متى يكون كل منا سراجاً منيراً كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى كل حياته. لعلنا نسأل أنفسنا هذا السؤال لأنه يقصِّر علينا الطريق وييسره لنا ولمن بعدنا ولمن حولنا. وللحديث صلة.. وبالله التوفيق.