رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر الوسطية


الميزة المفصلية فى الشخصية المصرية أنها وسطية، سياسياً ودينياً وثقافياً واقتصادياً وفى جميع مناحى الحياة، والوسطية نتاج تراكمات وتراث وتاريخ وجغرافيا استمرت فى التفاعل على مدار آلاف السنين، ومن يحاول إغفال أو طمس هذا السمت الأساسى والغالب فى الشخصية المصرية سيخسر فى النهاية الحرب حتى لو كسب «مؤقتاً» معركة أو أكثر.

فلم يكن هباءً أن يجتمع لمصر ومن ثم الشخصية المصرية النهر وواديه، والبحر والصحراء؛ النهر ينشئ الاستقرار والهدوء والركون للأرض ويربط الشمال بالجنوب، والصحراء تضفى الوضوح والحدة أحياناً، والبحر يمنح الرحابة ويشير دائما لوجود الآخر.

لم يكن هباءً أن تتواجد مصر فى أفريقيا وأيضا آسيا وتطل على أوروبا، وتتوسط العالم القديم، وتكون قلب العالم الجديد ومركز طرقه ومواصلاته.

لم يكن هباءً أن مصر صاحبة الحضارة الفرعونية الأعظم، ومطمح ومطمع كل الحضارات القديمة وكل القوى العالمية المعاصرة.

لم يكن هباءً أن تكون حاضنة المسيحية وحافظة الإسلام الوسطى الحضارى وقلب العروبة، ومباركة فى التوراة والإنجيل والقرآن.

لم يكن هباءً أن يأتيها أبو الأنبياء إبراهيم ويتزوج منها، وينجب من أمنا وأم العرب « هاجر» أبو العروبة «إسماعيل» ويحيا فى ربوعها كليم الله موسى، ويأمن فيها المسيح والعذراء ويباركا أرضها الطيبة، وأن يختار الله أحد أحفاد هاجر المصرية ليكون نبى الإسلام.

مصر أم التاريخ، درّة الجغرافيا، ست الدنيا، تاج العلاء فى مفرق الشرق، بل تاج على جبين العالم، وتستحق مكاناً ومكانة لائقة بها فى صدارة العالم، كمؤسسة للحضارة الإنسانية ولمدنية العالم.

مصر مخترعة الزراعة وموطن الزارع الأول، ومخزن غلال العالم، لا تستحق أن تستورد وتتوسل غذاءها من الخارج.

مصر مبدعة الطب والعمليات الجراحية والتحنيط، لا يستحق أبناؤها أن يكونوا الأكثر موتاً بالكبد والكلى والسرطانات.

مصر صانعة المعرفة، موطن الأديب والفنان الأول والإبداع المعجز على جدران المعابد، لا تستحق أن يكون نصف بنيها من الأميين.

مصر منجبة الفلكى والمهندس والعامل الأعظم، لا تستحق أن تكون متخلفة تكنولوجيا وصناعيا.

مصر مقر ومستقر « خزائن الأرض » التى اكتشفت الذهب وأنشأت مناجمه فى الصحارى،وصنعت منه تماثيل ملوكها، وزينت به مومياواتهم لا تستحق الفقر واستجداء المنح والهبات والقروض.

مصر ياسادة كبيرة من الأزل وإلى الأبد، ووسطية بلا تفريط أو غلو، وإذا كنتم لا تعرفون قدرها، فارقوها وغادروها، حتى تريحوها وتستريحوا.

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.